تُرَى هَـذِهِ الرِيـحُ أَرضُ الشَربَـه أَم المِسـكُ هَـبً مَـعَ الرِيحِ هَبَـهْ
وَمِـــن دَارِ عَــبــلَـةَ نَـــارٌ بَـــدَت أَمِ الـبَرقُ سَلّ مِنَ الغَيمِ عَضبَـهْ
فى هذه القصيدة، يتكلم عنترة عن حالة الشوق، التى تعتريه لمن يهواها قلبه، ويحن إلى أن يمتع ناظريه برؤيتها، بعد غياب ليس بالكثير لكنه على المحبين مديد طويل، ويستخدم عنترة فى هذه الأبيات، أسلوبا يستخدمه أكثر الشعراء فى ذلك العصر، وفى العصور التى نسجت القصائد على نفس المنوال، يسمى الـ (التجريد)، وهو أن يجرد الشاعر من نفسه، شخص أو أكثر ويخاطبه .
فعنترة يصور لنا حاله وهو راكب جواده، أثناء عودته من غيبته، والريح يداعب وجهه، فيحن للمكان الذى كان يرى فيه محبوبته عبلة، وهو (أَرْضُ الشَرْبَهْ) المذكور فى البيت الأول، فيخاطب نفسه ويقول: هل هذه الريح التى تداعب وجهي، ريح أرض الشربة؟ ثم يعبر عن مكانة هذا المكان فى قلبه، ويصف هذه الريح، بأنها طيبة على نفسه وروحه، مشبها إياها بأفضل الروائح والعطور، وهو المسك .
وقد بلغ الشوق من عنترة مبلغا، جعله كأنه يرى دار عبلة أمامه، ويتخيل النار التى توقد أمام المنازل عادة، ويصف لنا مدى أطيبية هذه النار عنده، وكم هى شديدة الوقع والإحساس فى نفسه، مشبها ذلك بوقع البرق، ومستعيرا لوقع البرق، صورة تخييلية لبرق سحب من الغيم سيفه، جاعلا الغيم كالغمد لذلك السيف ويهوى به، واصفا ذلك السيف بقوة القطع، وذلك معنى قوله (عَضْبَهْ)، فى تصوير بديع النسج والتركيب .