اندهش كثيرا حينما أسمع بعض الآباء والأمهات يتحدثون عن عقوق أبنائهم، يرددون ويتساءلون: لماذا هم قساة وعاقون هكذا؟ لماذا لا يسألون عنا ويحوطوننا برعايتهم وحنانهم فى شيخوختنا؟
وجمل أخرى من أمثلة أبناء زمان غير أبناء اليوم، ونحن لم نكن هكذا مع أهالينا، وهكذا من جمل وعبارات تنتقد بر أبناء اليوم بالوالدين.
لكن دعونا نتساءل: ما الذى وصل بأبناء هذا الجيل إلى هكذا جحود وعقوق؟
البداية تبدأ منذ الطفولة، حينما تصبح كل واجبات الوالدين نحو أبنائهم هى توفير المأكل وضروريات الحياة الأساسية فقط، حينما يغفل الأهل فى خضم اللهث وراء لقمة العيش عن الاحتياجات النفسية والعاطفية لأبنائهم، ويتصورون أن كل مهمتهم هى إشباعهم جسديا فقط، فليس الإشباع الجسدى وحده ينشئ أبناء ناضجين نفسيا وعاطفيا، وليس إشباع الاحتياجات المادية فقط هو الذى يبنى رابطة قوية بين الوالدين والأبناء، فكم من أبناء توفرت لهم كل الإمكانيات والرفاهية المادية لكنهم نشأوا بين والدين لا يعرفون شيئا عنهم، فيفقدون الانتماء لهم، ويشعرون بالاغتراب معهم.
إن رابطة الأبناء بوالديهم تبدأ منذ سنينهم الأولى، مند طفولتهم عبورا إلى مرحلة المراهقة، وكل مرحلة من هذه المراحل لها عطاؤها الخاص الذى يبذله الأهل من أرواحهم وقلوبهم، فيرتبط بهم الأبناء ارتباط الجنين بالحبل السرى، وهكذا تستمر هذه الرابطة تقوى مع الأيام دون انقطاع.
لكن للأسف نجد آباء وأمهات تجرفهم الحياة برتمها السريع وراء تحقيق نجاحات مادية أو اجتماعية على حساب أبنائهم، متناسين تماما أن لديهم أبناء يحتاجون إليهم، يحتاجون إلى مجالستهم والحكى معهم عن عالمهم الصغير، يحتاجون أن يدخلوا معهم إلى هذا العالم ليكتشفوه عن قرب، يتعرفون على مشاعرهم وأفكارهم، مخاوفهم وقلقهم وأسئلتهم الحائرة ويكتشفون كذلك أحلامهم، مواهبهم وطاقاتهم كى يوجهونهم توجيها صحيحا، أن تنشىء بينهم وبين أبنائهم رابطة قوية ودفء أسرى، بل إن انشغال الآباء والأمهات يجعلهم لا يمتلكون الوقت الكافى لتربيتهم بأسلوب ودود يعتمد على النقاش والإقناع، فتتخذ العلاقة بينهم إما شكل عدم اهتمام ولا مبالاة إما شكل أوامر وقيود تصل إلى حد التعنيف والترهيب فى أحيان كثيرة، فيتربى الأبناء فى بيئة جافة ذو رابطة أسرية ضعيفة وهشة، ويفقدون ارتباطهم بوالديهم، ويخرجون من أحضانهم ليبحثوا عن الدفء لدى آخرين، وليس دائما كل الآخرين يكونون أمانا لهم.
والغريب أننى أرى كثيرا من الآباء والأمهات رغم مستوى ثقافتهم ونجاحهم عمليا واجتماعيا إلا أنهم للأسف فشلوا فى تكوين علاقة صداقة مع أبنائهم، وهى العلاقة التى تكون بمثابة حزام أمان للأبناء والتى تحميهم من أى اعوجاج أو انحراف أو وقوع فى خطأ، إن التقصير والإهمال واللامبالاة وعدم التعامل بحكمة وود مع أخطائهم البريئة يخلق أبناء غير متوازنين نفسيا، وغير منتمين لوالديهم.
قبل أن تندهشوا لماذا ينشغلون عنكم ويبخلون عليكم بأوقاتهم حاسبوا أنفسكم أولا كم من المرات خصصتم أنتم وقتا لهم، تجالسونهم وتمدوا بينكم وبينهم جسر تواصل أبدى.
إن عقوق الأبناء لم ينبت من نبت شيطانى، بل جاء من نبتة زرعها الوالدين فى الأبناء منذ صغارهم، نبتة إهمال ولامبالاة وبخل فى المشاعر وأيضا من قسوة وعنف تربوى.
قبل أن تندهشوا وتتساءلوا، فكروا ماذا أعطيتم لأبنائكم فى صغرهم حتى تجنون مثل هذا الجحود حينما تحتاجونهم فى كبركم.