لا يخلو التاريخ على مر العصور من سيرة هؤلاء الذين استطاعوا أن يقهروا عجزهم بل إن أعاقتهم كانت سببا فى نبوغهم حتى أصبحوا من عظماء التاريخ .
ونذكر على سبيل المثال المفكر والأديب مصطفى صادق الرافعى الذى تسببت اصابته بحمى التيفود فى فقد سمعه وإصابته بالصمم ورب ضارة نافعة فقد انقطع عن الدراسة المنتظمة فاختار لنفسه جامعه يعد مناهجها بنفسه ويحدد اساتذتها ومؤلفو كتبها فكان هو المعلم وهو التلميذ فى ذات الوقت .
وقد ادى الصمم الى حرمانه من مجالس الناس ففقد اتصاله بمفردات اللغة العامية ولكنه اصبح نابغا فى ادوات اللغة العربية الفصحى .
وكان بيتهوفن الموسيقى الاشهر فى المانيا الذى استطاع ان يثرى الموسيقى الكلاسيكية بأعماله قد اصيب بالصمم وهو فى الثانية والثلاثون من عمره ورغم ذلك اكتسبت اثنان من السيمفونيات التى كتبها فى صممه اكبر شعبية وأصبحت ملئ السمع والأبصار انها السيمفونية الخامسة والتاسعة .
وكان الشاعر بشار بن برد أعمى ورغم ذلك ترك هذا اثرا عجيبا فى نفسه حيث كان شديد المفاخرة بفصاحته وشاعريته وقد اقام فى بادية البصرة لينهل اصول اللغة من شيوخ وفصحاء بنى عقيل .
وكانت معايرة ضعاف النفوس له على علته سببا فى شهرته الواسعة فى لون من الوان الشعر وهو الهجاء وكان يرد على من يشكوه لسلاطة لسانه قائلا " ليس على الاعمى حرج » .
وهكذا نجد ان بشار قد اتخذ لسانه اداة للقتل والبطش وهو الاعمى الذى لا يستطيع ان يقتل او يبطش فى عالم الواقع ومع ذلك كان يكتب فى الغزل ووصف المراة حتى اصبحت قصائده تدخل ضمن المناهج الادبية عبر العصور .
إنها الارادة والإصرار على النجاح بل والتفوق والأمثلة كثيرة ولكن لا يتسع المقام لسردها .