تعمدت تأجيل قراءة رواية قواعد العشق الأربعون للروائية إليف شافاق حتى أنتهى من أخر سطر بها وأنا على حافة مشارف الأربعين من عمرى وإن خطفتنى كلماتها لأغوص فى أسرار الأربعين بحارا ومحيطات وأنهار.
ان الأربعين هى أجمل عمر للرجال، الأربعين فى الفكر الصوفى ترمز إلى الصعود من مستوى إلى مستوى أعلى، و إلى يقظة روحية؟ فعندما نحزن نحزن لمدة أربعين يوما و عندما يولد طفل فهو يستغرق أربعين يوما حتى يتهيأ لبدء الحياة على الارض، و عندما نعشق يجب أن ننتظر أربعين يوما حتى نتأكد من حقيقة لسنا مجبرين لإرضاء أحد بل الأهم إرضاء أنفسنا، اللافت للنظر أيضًا أن مشاعرنا.
لقد استمر طوفان سيدنا نوح أربعين يوما، و في حين دمر الماء الحياة، فقد جرف أيضا جميع الشوائب، و مكن البشر من بدء حياة جديدة و فى الصوفية الإسلامية أربعون درجة تفصل بين الانسان و الله، بالإضافة إلي ذلك، هناك أربع مراحل أساسية من الوعي فى كل منها عشر درجات، فيصبح مجموعها أربعين، و قد خرج المسيح إلي القفر أربعين يوما و ليلة، و كان محمد فى الأربعين من عمره عندما نزل عليه الوحي، وتأمل بوذا تحت شجرة زيزفون أربعين يوما، بالأضافة إلي قواعد شمس الأربعين .
إنك تتلقن مهمة جديدة في الأربعين، حياة جديدة! لقد بلغت الرقم الميمون وأكثر الأرقام التى تبشر بالخير مبروك! لاتقلق لأنك كبرت سنة، فلا يمكن لقوة التجاعيد ولا الشعر الشائب أن تتحدى قوة الأربعين هكذا تقول الرواية.
هنا لا أتحدث بلسانى كشخص تجاوز الأربعين بساعات ولكنى أتحدث بلسان جيلى، وكأنها مرحلة يصعب تقبلها، كيف لشاب أن يراجع تصرفاته بين عشية وضحاها تخطى مرحلة الشباب بخطوة، ليس برجل عجوز هو وبالتالى مكانه ليس معهم، ينظر بين المرحلة الفاصلة للأسود والأبيض، ولا يعرف أى فئة ينتمى نعم مرت الأيام مهرولة أسرع مما نتوقع.
سنوات مضت، كنا ننظر لمن في الأربعين على أنهم ملكوا الدنيا طولا وعرضا، تجرعوا من الكأس حتى الثمالة، جيل لم يحقق الكثير مما تمناه لنفسه، وكأنه يسابق السنين تجري بنا ونجرى خلفها لا تعطينا فرصة الإلتحاق بها أوحتى الوقوف مكاننا... نعم يقال فى الأربعين ندرك القيمة الحقيقية للأشياءالجميلة التي تحيط بنا، ننظر إلى الأحباب فنشعر بسرور غامر لوجودهم حولنا، وفى الوقت نفسه ننظر إلى تقصيرنا فى حق محبينا، لا تيأسوا يا أصدقائي من أصحاب الأربعين، إذا لم تلحق بقطار الزواج، هو سن اختيار العقل والروح والقلب، النضج و ما أدراك ما النضج، منطقيًا أن يكون الاختيار للطرف الآخر فى هذا السن لمن أتيح له الاختيار فقط، رجلاً كان أو امرأة، أن يكون الأكثر نضجًا وفهمًا ووعيًا للاحتياج المعنوى والروحى والعاطفى والمادى والجسدى أيضًا، نضجت بشكل كاف لمعرفة لماذا تريد وماذا تحب ، وما يسعدك ليس بالضرورة يسعد و يريح غيرك ولكن المهم أنه يروقك أنت ومن اخترت تمامًا.
نعم نمر بمرحلة جديدة فيها معايير السعادة والراحة مختلفة تماماً عن المراحل السابقة وأن تناقضت هذه السعادة مع العادات والتقاليد.
عزيزى الأربعينى، أن سنك هذا مميز فى عمر الإنسان إذ أنه الوحيد الذى ذكره الله فى كتابه وجعله سنًا لبلوغ العقل تمامه ورشده، وليكن مبدئك: "لسنا مجبرين لإرضاء أحد بل الأهم إرضاء أنفسنا".