بات هذا هو المسمى الأنسب لتجسيد الواقع، الأقرب لوصف روابط الدم، فقد اتخذت الأخوة منحنى آخر مخالف لما تربينا عليه، فقد أصبحت المصلحة تعلو فوق كل اعتبار، وباتت أهم من الأخ والأخت، فإذا كانت الأهداف الشخصية والأهواء الذاتية فى كفة، ومن هم يحملون نفس فصيلة دمك وجيناتك الوراثية فى كفة أخرى، لرجحت الكفة الأولى بلا منازع.
أصبحنا فى زمن له حسابات غريبة ومختلفة عن التى اعتدنا عليها، غدا المال القربان الذى من المفترض أن نقدم له فروض الولاء والطاعة، وبات الفرد عبدا للمظاهر الخداعة، وسجينا للمناصب الاجتماعية، يفعل أى شىء وكل شىء من أجل أن يرتقى فى منصبه، يركض وراء السيارة الفارهة، ويلهث وراء الماركات والفيلات، وبينما يكون سائرا فى طريقه بسرعة البرق، يدمر علاقاته بمن حوله، ويتنحى عن إنسانيته، وينسى أن يزور أخيه، أو أن يجرى اتصالا هاتفيا مع أخته من أجل الاطمئنان عليها.
أنا لا أبالغ حين أقول أن أخا قد يصبح عدوا خاصة عندما يتعارض الأمر مع رغباته، أو يتنافى مع ما يسعى إلى تحقيقه، حينها ستكتشف أنك كنت تعيش مع إنسان لا تعرف عنه شيئا، سينفض الغبار عن الطمع والجشع اللذين كنت تظنهما لا يمتان لأخيك بصلة، لتفجعك الحقيقة حينما تتأكد أنهما صفتان متأصلتان به، وجزء لا يتجزأ منه، على الجانب الآخر كيف سيكون التعامل بعد أن اكشفت حقيقته، فالأمر لن يخرج عن ثلاثة :إما أن تقاطعه، أو أن تسايره فى عدوانه لتصبح الدنيا بينكما ساحة حرب، أو أنك سترضخ له وستنفذ له أوامره، وهذا الحل أيضا يندرج تحته شقين: إما أنك ضعيف، أو أنك تخشى خسارته. جميع النتائج سيئة للغاية، لكنها النهاية المنطقية بين أخين أفسحا المجال للخلاف، وفتح الباب للشيطان ليدخل بينهما.
"سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ" هو العمود الفقرى الذى يجعلك منتصبا، وبدونه ترتطم أرضا فهو الملاذ والملجأ الأمنى الذى تلوذ به لاسيما فى أوقات الشدة والمحن، فكنوز الدنيا لا تساوى شيئا أمام وجود أخيك بجانبك، بل هو خير من الدنيا وما فيها.