للتعرف على كيفية ذلك لابد أن نعرف أولاً ما هو المنهج واجب الاتباع حتى يصبح مجتمعنا راقياً متقدماً بعيداً عن كل مقومات الفساد والانهيار.
المنهج فى اللغة: الطريق، والمراد به شرعاً: هو الطريق الذى يبين به أحكام الله فى العبادات الدينية والعلمية والعملية وفى المعاملة بين الناس.
والمنهج هو شرع الله وحكمه الواضح فى التعاملات والمعاملات، الذى لا جدال فيه، وشريعته التى ارتضاها لأرضه، وخلقه أجمعين، وأنزل فيها رسله أجمعين، وختمها وجعلها واضحة كل الوضوح، لا تغيير فيها، ولا تبديل ختمها بدينه الحق، ألا وهو الإسلام، الذى كتابه القرآن الكريم ورسوله محمد خاتم المرسلين (صل الله عليه وسلم).
ومنهج الإسلام هو القرآن الكريم، الذى أنزل الله فيه أول أوامره اقرأ، لماذا قال اقرأ؟ لتعرف وتفهم وتتدبر وتتعلم لتصل إلى حقيقة منهجك، فهو كل ما يخص الفرد والمجتمع لإرشاده وهدايته، وتوجيهه للأخذ بأسباب النجاح والفوز فى جميع أمور الدنيا والدين، ومن أخذ منه لسبيل الدنيا كسب الدنيا، ولم يُظلم منها شىء، ومن أخذ منه لسبيل الآخرة فاز بالآخرة ولم يُظلم منها شىء، ومن اتبع المنهج بجانبيه الدنيا والآخرة واستقام عليه كسب الدنيا والآخرة بإذن الله ،ومن عارض المنهج فى أمور الدنيا خسر الدنيا والدين ،وكان من المفسدين ،فالقرآن الكريم منهج الحق للحياة الدنيا للناس أجمعين، فقد خلق الله الجن والأنس للعبادة، والشاهد قول الحق تعالى
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)" الذاريات، والعبادة هنا بمعناها الخاص والعام معا، أى عبادة الله فى فروضه ،وعبادة الله بتعمير الأرض بمنهجه الذى أراده؛ من العمل بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما قال الله تعالى فى كتابه المنزل على سيد المرسلين سيدنا محمد( صل الله عليه وسلم )،وليس بمنهج البشر المفسدين، ليسود العدل بين الناس فى الأرض ؛لأن مصدر المنهج واحد هو الله لا اختلاف فيه ولا تفضيل بين واحد وواحدة .
فنجد فى منهج الله القرآن الكريم إنه عندما يأمرنى بعدم السرقة فهو لا يقيد حريتى فى مد يدى على مال غيرى، ولكنه قيد المجتمع كله بذلك فقد حمانى أنا الفرد من مجتمع بأسره، لأن المجتمع كله واجب عليه أن يخضع لهذا الأمر وإلا كان آثما، ونجد أيضا عندما يأمرنى ألا اعتدى على عرض غيرى ولا اتطلع لمحارمه بنظرة سوء ؛فإنه قد حمانى أيضا بأن لا يتطلع غيرى لمحارمى، وعندما يأمرنى ألا أقترب من الزنا ؛لأنه فاحشة وساء سبيلا، فهو أراد أن يحمينى من سبل الشيطان التى حتما ستهوى بى إلى أسوأ السبل، وعندما أخبرنى أن الخمر والميسر فيهما إثم كبيرا، ليحمينى من السقوط فى هاوية الضياع والفساد ووضح لى أنهما ظلم وأثم، بل وكبير أى عظيم إن الأمر يشمل الجميع فمنهج الله يحمينى ومالى وعرضى ونفسى وكل خاصتي؛ لهذا يجب ان اتبعه وأنا مطمئن بأننى على المنهج الصحيح، لهذا إياك والانخراط وراء المفهوم الخطأ للتقدم والحرية لأنهما ابعد ما يكون عن منهج الله تعالى، فالتقدم والحرية الأولى بالإتباع، هما العلم والمعرفة التى تخدم دينى ووطنى وأسرتى بل وعشيرتى أجمعين ،بلا تفرقة ولا تميز وألا تكون حريتى على حساب غيرى فالمجتمع ليس لى وحدى بل للناس جميعا.
وعلى هذا وبالمقارنة بين المجتمع المسلم والكافر فان أسباب ضعف الأمة أو المجتمع الإسلامى فى العصر الحديث، ليس بسبب اختلاف الفهم العقائدى أو الاختلافات الفقهية وإن كان لها من التأثير السلبى على كل فرد مسلم، إلا أن السبب المباشر يرجع فى الأصل إلى خلل فى تطبيق المنهج الإسلامى لبناء المجتمع فى إحدى مكونات المجتمع سواء الفرد أو ولى الأمر أو أولى العلم أو خلل مشترك بين الجميع.
ولما كثرت المذاهب والتوجهات، والآراء والأحزاب المتناحرة على إثبات ذاتها، وليس من أجل المجتمع بشتى طبقاته وتعارضت الأهداف الدعوية والإصلاحية مع الأهداف والرغبات الفردية والاجتماعية وزاد التفكك بين الأمة الإسلامية وتحولت إلى دول ومجتمعات وتكتلات وأحزاب اجتماعية وزاد الانقسام والأنانية، والصراع على السلطة والمسؤلية، وظن كل منهم أنه الأحق والأصلح لقيادة المجتمع للإصلاح، والارتقاء به وفق لمنهج الله وسنة نبيه وانصرف العلماء وأولى العلم عن القيادة وطبقت مناهج وضعية بعقول بشر بعيدة عن منهج الله المنزل ،للأغراض الشخصية ،وزادت المؤامرات. وانصرفت العامة لتحقيق رغباتهم وأهدافهم الشخصية وضاعت الروابط الاجتماعية ومقومات المجتمع الأساسية، واحتار العقل بين ظاهر الأمر وباطنه,وانفصلت الدولة عن الدين كتلك المجتمعات العلمانية، واعتبروا الدين عقيدة عبادية فقط مكانها المحراب، ونسوا أن الدين المعاملة ،فترتب على ذلك البعد عن منهج الله الصحيح فضعفت، وفشلت المجتمعات، وتوقف سعيها للارتقاء بالحياة البشرية.
ولو عادوا لمنهج الله لوجدوه ما ترك صغيرة ولا كبيرة ولو اطلعوا على سياسة نبيه لعرفوا كيف الخلاص من هذا الانقسام والضياع والفساد .وخاتمة القول، قول الله الحق تعالى
" فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى الْأَرْضِ ۚ"17" الرعد