الحلم والأمل كبيران، والواقع مرير والنفوس ناقمة والسر أقوله الآن علانية، قد ضاقت النفوس بم رحبت وأنظر خلفى أجدنى باكيا وأنظر أمامى أجدنى يائسا فقد تفاقم الألم, والأمة من ضياع لضياع ومن سقوط لسقوط، أرى الفساد قد عمم، فأنظر لحاضرى والماضى فأجد نفسى قد أخطأت لتفضيلى للعلم، فقد فضلته على نفسى، وبحثت عنه طويلا وكتبت الكتيبات فيه وسهرت الليالى لجمعه وتدوين جزء كبير منه، ولكنى استيقظت على حقيقة مرة وحينها قررت تركه والبعد عنه بل أصبحت لفترة ساخط عليه وحينها دار حوار بينى وبينه:
فقولت: أيا علم أنى مفارق.
فوجدت العلم متعجبا لأنى كنت طالبا إياه متيما فى هواه ولكنى قد طلبت الرحيل فجأة.
فقال لى: أيا أيا ولم يذكر اسمى ناقما عليا بسبب طلبى، واستكمل كلامه وقال ماذا حدث لك وما الذى استجد جعلك راغبا فى تركى.
فقولت له: أيا علم ألا ترى قد تفشى الجهل وأصبح الجهال هم السادة وطلبة العلم كالعبيد ألا ترى أن الصادق أصبح يخون! والكاذب أصبح يصدق!
ألا ترى يستخدمون العلم لتجهيل الناس، ألا ترى هذا يستخدم العلم الدينى لصالحة وهذا يستخدم العلم التاريخى وهذا يستخدم العلم الفلسفى وهذا وهذا وهذا.
ثم أخذت نفسا عميقا وقلت له: أيا علم أنى مفارق
فقال لى: لماذا تتركنى وليس لى مثيل ولمن تتركنى وأنت وأمثالك خير وكيل، جاهد جاهد جاهد طالبا أحشائى أدرس فى أمهات الكتب وأبحث وجمع ودون ولخص وقدم وحدث الناس بما جمعت فهى غاية لذاتها ولا تجعلها غاية لغيرها، اجعل طلبك لى خالصا لوجه الله طالبا العون فى ذلك منه هو فتوكل عليه لمواجهة الخصوم، وليس معنى أن الأكثرية قد حادوا عن طريقى أن تسير معهم فلا يغرك كثرة الضلال فالحق ستجده قليل ولكن فائدته كبيرة ليس لها مثيل، استمر فى طلبك إياى ولا تنسى أننى غاية لذاتى أجمعنى وحدث الناس عنى هكذا أمرك الله ورسوله، فحاول جمعى وحدث عنى تلقى الثواب، ولكن لا تنسى أن طريقى وعرا فيه المشقة والبلاء العظيم.
وفى أثناء الحديث فجأة ارتفع صوت التلفاز بصوت انفجار كبير قام به أحد الإرهابيين وهو يقول (الله أكبر والله لنقتلكم جميعا يا مرتدين).
فأوجعنى المنظر وقمت بتغيير القناة فوجدت رجلا يقول اقتلوهم إنهم ليسوا وطنيين فغضبت كثيرا من هذا الرجل الجاهل، ثم قمت بتغيير القناة وجدت رجلا "متكلم جيد" يقنع الناس بأمور خاطئة مستغلا جهل الناس وقدرته الكبيرة على الإقناع، حينها تذكرت السفسطائيين وكيف حاربهم أرسطو لقد حاربهم بنفس سلاحهم.
وقتها أيقنت أنى كنت على خطأ عندما قررت ترك العلم وأصبح عندى قوة كبيرة لمحاربة الجهال بسلاح العلم، ثم التفت للعلم وقولت له :
أيا علم أنى أخطأت فى حقك لقد كنت فى غفلة من أمرى حينما طلبت ذالك فسامحنى واغفر لى خطئى.