كثيرون لا يُدركون المعنى الحقيقى لتعبير "ضيف شرف"، فالغالبية العُظمى تظن أنه شخص وجوده وعدمه سواء، ولكن فى الحقيقة، ضيف الشرف هو الشخص الذى يتواجد للحظات، ولكن لديه قدرة بارعة فى تغيير مجريات الأحداث وقلبها رأسًا على عقب، فكل من يقرأ روايتى "الحوت الأزرق" يسألنى ما هو الفصل الأحب إلى نفسكِ؟ فيكون ردى هو الفصل بعنوان "مكالمة من امرأة مجهولة"؛ لأنه هذا الفصل ظهرت فيه شخصية غيرَّت مجرى الأحداث تمامًا، رغم أنها لم تظهر حتى نهاية الرواية. وفى حياتنا قد تظهر أشخاص فى هيئة لقاء عابر أو مُرتب، أو فى شكل مُكالمة هاتفية غير مُتوقعة، ولكن تُغيِّر مجرى أحداث حياتنا بالكامل.
فرجاء لكل من يقرأ هذه المقالة، أن يسترجع شريط حياته الماضي، وسيكتشف أنه قد ظهر فى حياته ضيف الشرف الذى غيَّر الكثير من المفاهيم والأحداث لديه، والغريب أن هذا الشخص قد لا يكون هناك أى فكر أو ثقافة تجمع بينك وبينه، وربما يكون الحوار لا يلقى قبولا لديك، ولكنه رغم ذلك يجعلك ترى الأشياء على حقيقتها، وتحكم على الأشخاص بالصورة الصحيحة، فأنا أعرف أحد الأشخاص الذى غيرت مكالمة هاتفية مجرى حياته، وجعلته يرى أعز الناس لدية بصورة مُخالفة للصورة التى كان يظنه عليها؛ لأنه هذه المكالمة جعلته يعرف نظرة الناس لمن يظنه أسطورة، فعلم أن الصورة التى رسمها لهذا الشخص كانت من وحى خياله، وأنها لا تمت للواقع بصلة، ورغم أنه كان مستاءً بشدة من تلك المكالمة؛ لأنه المتحدث لم يكن على مستوى الحوار، ولكنه أسقط القناع عن هذه الشخصية، وأظهر حقيقتها، وهنا كان هذا المتحدث ضيف الشرف الذى أجلى الحقيقة، وأظهرها بدون رتوش.
فإذا أردت أن تعرف شخصا، لا تكتفى بنظرتك له؛ لأنك مهما حكمت عليه، فلن تراه كما يراه من يعيشون معه، فهم فقط من يعرفونه على حقيقته؛ لأنه لا يتجمل أمامهم، فأنت قد تظنه عظيمًا وشُجاعًا، فى حين أن أقرب المقربين إليه لا يرونه كذلك؛ لأنهم أدرى الناس به، فإن تحدثوا عنه باستهانة، فلا تظن أن العيب فيهم، ولكنهم فقط يرونه بصورته الحقيقية، فقد تستاء من أسلوبهم، وطريقة حديثهم، ولكن، فكرْ أيضًا فى كلامهم؛ لأنه مهما كانت طريقتهم وأسلوبهم، إلا أنهم قطعًا سيُضِيفون إليك شيئًا جديدًا، والشخص الفطِن هو من لا يجعل أى موقف أو كلمة تمر عليه مرور الكرام، حتى لو لم يعجبه الأسلوب، فعليه أن يهتم بالمضمون.
والمُضحك فى الأمر أن المضمون الحقيقي، بل والحقائق فى أغلبها لا تأتى إلا على لسان ضيف الشرف، والحقيقة كنت دائمًا ما أتساءل، لماذا يقبل كبار النجوم أن يظهروا فى أعمال درامية للحظات، رغم أنهم يملكون القدرة على أداء أدوار البطولة، ولكننى أدركت أن تلك اللحظات تُغير مجرى الأحداث، فكأن ضيف الشرف هو البطل الحقيقي، مثل ضيف شرف المكالمة التليفونية.
فلو عرفنا أهمية ضيف الشرف فى حياتنا، لرفعنا له القُبعة، وانحنينا له؛ احترامًا، فلولاه ما اطَّلعنا على خفايا وبواطن الأمور، وما تغيرت نظرتنا لمن حولنا، وما وضعناهم فى قالبهم الصحيح.