"لا شُكر على واجب"، هذه الجُملة تعلمناها منذ نُعومة أظافرنا، وتعلمنا أن نقولها ردًا على الشكر الذى يُقدم لنا على صُنع الجميل، وكنا نقولها إما رفعًا للحرج عن قائلها؛ نظرًا لشعوره بالامتنان والتقدير لنا على صنيعنا، أو نقولها اقتناعًا منا بأن ما قدمناه هو واجب علينا نابع من التزامنا وضمائرنا.
أما الآن فكلمة "شكرًا" عادةً ما تُقال تهكما وسخرية، وتعبيرا عن الحُزن والغضب، وهذا يحدث عندما تواجه إنسانًا بأخطائه وسلبياته، فتجده يشعر بالامتعاض، ويقول لك: "شكرًا"، فى محاولة منه لتأنيب ضميرك، ولا يفكر للحظة فى أنه ربما يكون ما واجهته به من عُيوب وسلبيات، ينطبق بالفعل عليه، ويُحاول أن يُغير من نفسه، ويُواجهها بأخطائها، ولكن الغرور والكِبْر وعمى البصيرة، دائمًا ما يقفوا أمام ضمير الإنسان، فيحرموه من وضوح الرؤية، ولكن هؤلاء الأشخاص، الصفة الدارجة عليهم هم أنهم "مساكين"، فلا ترد عليهم بالنقاش والجدل، فلا أمل فيهم، وقل لهم بهدوء شديد: "لا شكر على واجب"، فالتهكم لا ترد عليه إلا بالتهكم.
والغريب فى الأمر أنك إذا نعت أحدًا منهم بصفة مديح ليست فيهم، تنفرج أساريرهم، وتنشرح صدورهم، ويُصدقون أن هذه الصفات فيهم، والغريب أنهم لا يتقدمون بالشكر لمادحهم؛ لتيقنهم أن هذه الصفات فيهم، ففكرة المديح تلقى استحاسنًا غير عادى لديهم، أما النقد حتى لو أصاب كبد الحقيقة، فلا يلقى أى قبول لديهم.
والخُلاصة أن من يستحسن العمى، ويعشق الكذب، ولا يُحاول أن يرى نفسه على حقيقتها، ويستنكر النقد، حتى لو كان فى محله، فهذا سيعيش مُغيبًا أبد الدهر، ومن لا يرى إلا فى الغمامة، فلا تُحاول إقناعه أو مُناقشته، ودعه يعيش فى ضلاله، فالأحرى به أن يتقدم لك بخالص الشُّكر على تبصرتك له، ولكنه فى الواقع يتقدم لك بالشكر؛ سُخرية منك، فقل له وعلى وجهك ابتسامة عريضة: "لا شُكر على وجب يا عزيزى".