يُعد التاريخ واحدًا من أفضل الدروس التى لا غنى عنها للإنسان، إذا أراد أن يتعلم حقًا، فالشخوص التى تعتبر المكون الأساسى والرئيس فى الأحداث هم من يجعلون منه خير فائدة للعِظة والعِبرة، وبدون هؤلاء لا يمكن وصف أى حدث تمَّ "بالتاريخ"؛ لأنَّ الحدث قائم على صراع الأفراد، وما يقومون به من أعمال.
ونتيجة لما سبق لا يمكننا بأى حال من الأحوال، فصل الفرد عن الحدث، مهما كان ما قام به شائنًا، فهتلر مثلا رغم ما قام به من أفعال مُشينة، رُكن مُهم فى سياق التاريخ، وعاملاً فاعلاً لحدثٍ صعب نسيانه، ألا وهو الحرب العالمية الثانية، وغيره من قادة وزعماء أساؤوا بأفعالهم لبلدانهم، لكنهم سيظلون تاريخًا فى حياة شعوبهم، وشعوب العالم أجمع.
لكن وزارة التربية والتعليم المصرية، لها رأى آخر فى مناهج التاريخ التى تُدرس للطلبة فى المراحل السنية المختلفة، فلا يكفى المسئولين، وضع بعض الحقائق التاريخية المغلوطة فى هذه المناهج، بل يتعمدون حذف شخصيات كان لها دور فى الحياة المصرية فى فترة من الفترات، أو عصر من العصور!!، لمجرد أن هؤلاء الأشخاص تمَّ استبعادهم من الحياة السياسية أو الثقافية، ففى وقت سابق حذفت من المناهج الرئيس محمد نجيب كأول رئيس للجمهورية بعد عهد الملكية، وبعد ثورة يناير 2011، طالعنا فى الصحف خبر حذف الرئيس الأسبق مبارك من المناهج كرئيس لمصر طيلة ثلاثين عامًا متتالية، لمجرد أنه قامت ضده ثورة لخلعه، فتنحى، وحوكم، وفى هذه الأيام كان الحذف من نصيب دكتور محمد البرادعى، والدكتور عصام حجى- رغم أن وزارة التربية والتعليم نفت ذلك - ولا أدرى على من الدور بعد ذلك فى الحذف.
وأقول للمسئولين فى الوزارة، أيها السادة الكرام شئتم أم أبيتم من تقومون بحذفهم تاريخ لا يمكن حذفه أو نسيانه، فهؤلاء الأشخاص كان لهم أثر بالغ فى حياة كل مواطن مصري، وساهموا فى المجتمع الدولى إمَّا سلبًا أو إيجابًا، وتحدث عنهم القاصى والدانى، فمن منَّا لا يعلم د. البرادعى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى وقتِ الهجوم الأمريكى على العراق؟!، ومن منَّا لا يعرف د. عصام حجى بإسهاماته المُتميزة فى وكالة الفضاء الدولية "ناسا"؟!!، ومن منَّا ينكر أنه كان لنا رئيس يُدعى محمد حسنى مبارك ظل فى سُدة الحكم طوال العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين، والعِقد الأول من القرن الواحد والعشرين؟!!.
إذا أردتم حذفهم، لا تزيفوا التاريخ، لكن احذفوا زمنًا، أو مجالاً علميًا بأكمله، إن استطعتم، وأنتم لن تقدروا بالطبع، لكن الاختلاف السياسى لا يمكن جعله سببًا رئيسًا فيما تقومون به من فعل هو عار بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فأخطائهم الشخصية لن تكون مانعًا من كونهم تاريخًا لهذا البلد، ولأنهم تاريخ يجب على الطلاب دراستهم والاستفادة من أخطائهم وعثراتهم قبل الإيجابيات التى كانت فى عهدهم أو مجالهم، فإنّ كل شخص مسئول له ما له وعليه ما عليه، لكن تزييف التاريخ لن يُغير من الحقيقة شىء، وإلا فلماذا يذكر التاريخ من كبدوا البشرية خسائر هائلة فى الأرواح والممتلكات، وكانوا دمارًا على من حولهم ؟!!، إنها العِظة والعِبرة يا سادة، اجعلوها منهجًا فى حياتكم، فبها ومعها يصبح للتاريخ قيمة كبيرة.