قديمًا قال وزير المعارف الدكتور طه حسين "التعليم كالماء والهواء"، ومن هنا كانت الحاجة الملحة لضرورة الاهتمام بالتعليم ورفع مستوى التعليم الأمر الذى يساهم بشكل فعال فى رفع معدل الإنتاجية للمجتمع، وخلق جيل يمتلك الفكر والثقافة والإبداع ولا ينفصل التعليم عن الثقافة المتمثلة فى السلوك اليومى للفرد بالمجتمع ومجتمع بلا تعليم كإنسان بلا تنفس فالتعليم فى رأيى هو أهم العوامل لتقدم وتماسك أى مجتمع وتطور أى حضارة وفكر.
ومن يقرأ تاريخ الدول المتقدمة سيجد أن معظم الدول التى تقدمت حضاريًا وكان لديها قوة معرفية وتكنولوجية كان اهتمامها الأساسى هو قضية التعليم ومحو الأمية.
ووفق أحدث تقديرات للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن معدل الأمية فى مصر أصبح 26%، وأن هناك 26 مليون مصرى تحت خط الفقر، و18 مليون مصرى فى العشوائيات، تلك النسبة إذا نظرنا لها تمثل خطورة كبيرة على تطور المجتمع المصرى نظرًا لأن الأمية تعد أحد أهم ظواهر التخلف الاجتماعى والاقتصادى والسياسى لأى دولة.
كما أن الأمية فى مصر تمثل السبب الثانى لتدنى ترتيب مصر بتقرير التنمية البشرية بعد ارتفاع معدل النمو السكانى ومن مخاطر انتشار الأمية فى مصر انتشار البطالة والفقر فى المجتمع، وأيضًا إهمال أبسط القواعد الصحية وانتشار الأمراض بالإضافة الى انتشار الجرائم والتطرف وكذلك يمثل ارتفاع نسبة الأمية إحدى وسائل تيار الإسلام السياسى أو التيارات الإرهابية لاستغلال هؤلاء فى تدمير الوطن لذلك كان من الضرورى أهمية الاستعانة بالتجارب الدولية لمحو الأمية ومن هنا استعرض نموذجين من الدول وكيف استطاعت تلك الدول محو الأمية.
فلنبدأ بدولة ماليزيا، تبنى مهاتير محمد برنامج عملى لمحو الأمية من خلال مهمة كل طالب جامعة محو أمية شخص واحد على الأقل أسبوعياً الأمر الذى ساهم فى خفض نسبة الأمية فى ماليزيا من 47% عام 1970 الى 6% فى عام 2000.
أما دولة كوبا وهى مثال آخر لتبنى برنامج عملى لمحو الأمية خلال عام من خلال إعلان فيدل كاسترو محو الأمية وذلك خلال عام 1961 وبدأ فى تكوين حملة ضمت ما يقارب 120 ألف متطوع ومشاركة 100 ألف طالب متطوع من طلبة المدارس واتخذ من الحملة شعار "إذا كنت متعلما فعلم غيرك وإذا لم تكن متعلما فتعلم". واتجهت الإدارة فى كوبا إلى ربط التربية بالعمل المنتج المنظم فى حقول الإنتاج نفسها، ودفعت بالآلاف من الطلاب إلى الجبال للمشاركة فى حصاد القمح.
وكذلك تبنت كوبا نموذك المدرسة من أجل الريف The School to the countryside وفيها طلب من تلاميذ المدارس الثانوية والمعاهد قبل الجامعية أن يتطوعوا للذهاب إلى الريف والعمل فى الزراعة تحت إشراف آلاف من المختصين الزراعيين والأكاديميين
تلك مثالين لكيف استطاعت الدول محو الأمية ومن هنا أقترح لماذا لا يتم تبنى التجربة المصرية فى محو الأمية وذلك من خلال إعفاء كل طالب يساهم فى محو أمية 5 أفراد على سبيل المثال من المصروفات مع وجود درجات تحفيزية للطلاب مقابل المساهمة فى محو الأمية الأمر الذى سيساهم فى خطوات جادة للوصول لحلم مصر بلا أمية.
تلك الفكرة تبنتها مؤخرا جامعة بنى سويف التى ألزمت كل طالب يقوم بمحو أمية خمس أفراد بأن يكون له الحق فى الإعفاء من الرسوم الدراسية ودعم الطالب فى الكتاب الجامعى لماذا لا تعمم تلك التجربة بمختلف الجامعات المصرية والاستفادة من طلبة الجامعة الذين يمثلون طاقة لا يتم استغلالها وأن أحسن استغلالها يمكن تحقيق تقدم للمجتمع المصرى.
أما المقترح الآخر لمحو الأمية فى مصر من خلال توجيه الخدمة العامة لمحو الأمية فكما هو معلوم أن الخدمة العامة للفتيات تعادل التجنيد بالنسبة للذكور وهى من أهم الشهادات التى تمكن أى فتاة من العمل ولكن فى مصر الخدمة العامة هى أن تذهب الفتاة لكى تمضى ومن ثم تغادر الأمر الذى لا يفيد بأى شىء ولا يساهم فى أى تنمية لمجتمع بأى شكل ولكن يمكن تحويل الخدمة العامة للعمل على قضية محو الأمية.
لماذا لا يتم تبنى مقترح أن تكون الخدمة العامة لكل فتاة مثلا هى محو أمية 10 أفراد تخيل معى إذا ساهمت كل فتاة فى محو أمية 10 أفراد كم من المجتمع المصرى سيتم محو أميته خلال عام تلك التجربة فنحن فى مصر لدينا تقريبا 23 مليون مواطن أمى وإذا ساهمت كل فتاة من خلال الخدمة العامة فى محو الأمية كما ذكرت وأن يطبق ذلك من خلال خطة لمدة 10 أعوام ومن ثم قياس النتائج يمكن أن نساهم بشكل فعال فى معالجة مشكلة الأمية وانتشارها فى المجتمع المصرى.
ومن هنا تمثل ظاهرة محو الأمية استثمارا هاما للدولة المصرية وأداة هامة لتحقيق تقدم المجتمع وتماسكه وتحقيق التقدم السياسى والاجتماعى والثقافى وكذلك تساهم تلك الظاهرة فى خفض معدل الجريمة والتطرف وخفض معدل انتشار الأمراض الأمر الذى يساهم فى تطور الدولة المصرية وخلق جيل يمتلك الفكر والإبداع والثقة جيل قادر على أن يحقق نقلة حضارية للمجتمع المصرية وقادر على اتخاذ القرار ولديه الوعى والفكر.