لبيان معنى الإلحاد ومدى علاقته بمرض الشيزوفرينيا؛ سنوضح أولا معنى كلاهما.
أولاـ ما هو الإلحاد ؟
معنى الإِلحاد في اللغة هو الميل عن القصد والبعد عنه وتركه ، ولحَدَ في الدِّينِ يَلْحَدُ وأَلحَدَ: أي مالَ وعدل عنه.
وهذا يعني أن كل تَرْكٍ للدين وهجرٍ لأحكامه هو إلحاد، ومن ثم فالإلحاد ،يشمل كل أنواع الكفر والشِّرك بالله تعالى، والميل والحيدة عن أوامره وأحكامه جل وعلا، والتجرؤ على نواهيه سبحانه.
وقال الله تعال : ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (الأعراف:180).ويلحدون أي ينكرون
ثانيا ـ معنى الفِصام ( الشيزوفرينيا ) ( علوم النفس ) ذهان من أهم أعراضه انطواء المريض على نفسه، والنكوص والتجوّل الذهنيّ في عالم الخيال والوهم، وعدم الاتّساق بين المزاج والفكر، والقناعة التامة بصواب كل أفعاله .
وبعد هذا التوضيح اللغوي ستتضح لك العلاقة الوثيقة بين الإلحاد ومرض الفيصام النفسي وهو المعروف بالشيزوفرينيا
وفى السطور التالية سنتعرف على من هو الملحد؟
يحاول الملحد دائما أن يظهر بصفة المفكر والباحث عن الحقيقة ،فهو دائما واثق من صحة إلحاده، ولا ينتابه شك بأنه في ضلال مبين ، فهو يعتقد أن الوجود عالم افتراضي ،كان نتيجة لتفاعلات غاية في البساطة حيث يقول أحدهم :أن هذا الكون ليس بشرط أن يكون بواسطة خالق ،قد يكون نتيجة تصادف وتفاعلات بسيطة لفيزياء وكيمياء هذا الكون .ونرد عليهم
" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) الكهف
الملحدون يعلمون علم اليقين ,بأن الله عز وجل وهبهم السمع والبصر ووهبهم الحياة ,بعدما كانوا لا شئ، ولا وجود مادي لهم بالكيفية التي تعارف عليه البشر للتناسل ؛للحفاظ على الجنس البشري ،فجعلهم مخلوقات إنسانية مميزة عن سائر خلقه من المخلوقات الحيوية بالعقل والفكر ،وهذه المخلوقات علمها الله العلم، فأوجدت الحضارة والتطور.ويعلمون أن نهاية حياتهم هي الموت الحتمي ، ولا حيلة لإنسان أمامه، أي مهما بلغ عقلك من الفكر فلن يستطيع أن يخلق وسيلة تبقيك حيا بلا موت ، ورغم هذا العلم إلا أ نهم يلحدون ، وقد وردت كلمة الإلحاد في القرآن في مواضع عديدة كما في،
﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ﴾ (النحل:103).
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (فصلت40).
فكتاب الله عز وجل القرآن الكريم أنزل الله فيه ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"، فالقرآن هو شفاء للمؤمنين والقصد هنا في الشفاء ، هو العلاج النفسي الذي يُطمئن النفس التي جمحت، وبعدت عن ربها ؛ لتعود مطمئنة ، فالشفاء هنا شفاء لما في الصدور من غل ،وحقد وضعف ،وفساد فالذي في الصدور هو القلب، ولهذا كان القصد من أن القران يشفي علة القلوب
فالإلحاد لا يعترف إلا بكل مادي ملموس بمنطق العقل المجرد عن فكرة ثبوت حقيقة الروح وروحانية القلوب المطمئنة .؛لأنه ينكر الغيب وفاعلية القلوب في الأحداث
ومن ثم يُعرَّف الإلحاد بإنه: عدم الإيمان بوجود خالق لهذا الكون ،وليس إنكارا للأدلة العلمية والعقلية ونحوهما على وجود صانع لهذا الكون وهذه الحياة ،ولكن بمنطق الصدف وتفاعلات الكون .لأنهم ينسبون ذلك للظواهر التفاعلية لهذا الكون المحيط بهم؛ ويعتمدون في التدليل على صواب فكرتهم بالمنطق العلمي الذي يرفض معنى الغيبيات، فتجد أن الرغبة الجامحة لملامسة الغيب الذي ينكرونه ،ومحاولة فك أسراره ،والخروج عن حدود الملموس الذي لا يعترفون إلا به ،هي رغبة أصيلة في عقل الإنسان الملحد المتناقض بين رفضه وبحثه وفضوله العلِمي المبني على افتراض ضال ، ولكن مهما وصلت فكرته المتوهمة من نفسه المريضة سيجد نفسه عاجزة عند تلك الحدود الطبيعية ، فتجده محاولا إقناع نفسه بأنه على صواب، فيعود لينكر حقيقة وجود القرآن ،وأنه مرسل من الله؛ لتنظيم ميكانيكية الحياة بالأرض من خلال دستور مقنن بأوامر ونواهي إلهية ، فتجده يصطدم بالقران ؛ نتيجة أن حقيقته العلمية التي يقتنع بها وفقا لتجربته المادية أنها غير صحيحة ،وفاسدة المعطيات ، ويحدث ذلك عندما يكذبون كلام الله في أن الأرض مبسوطة كما ذكر الله في كتابه
" وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (19)الحجر
والمعنى هنا أن الله بسط الأرض وجعلها ممهدة عليها رواسي ،وهى الجبال الثابتة ؛ لثبات الأرض وأحدث فيها الجاذبية الأرضية؛ ليستطيع الإنسان العيش عليها بالكيفية التي يحيا بها ،والشاهد أن الإنسان لا يستطيع الحياة على سطح
القمر؛ لأن الجاذبية فيه ضعيفة جدا ،وهم بالعلم اكتشفوا أن الأرض كروية ،وصار الجدل منهم في ذلك وقالوا : بتكذيب كلام الله وتناقضه مع حقيقة العلم ، لكنهم لو استعملوا العقل في البحث عن المفهوم الصحيح لكلام الله الذي يطابق الملموس والمرئي الذي يتخذونه دليلا على رفض حقيقة الغيب ؛لوجدوا الأرض أينما ذهبوا ممهدة مبسوطة، ولا يتحقق هذا البسط إلا بكروية الأرض والدليل إنك لو ركبت الطائرة، وسرت بخط مستقيم ،فإنك ستعود لنفس نقطة انطلاقك ،ولا يتحقق ذلك إلا بكروية الأرض، برغم إنك تراها ممهدة ؛لأنه علم الله الذي أطلعك عليه ؛لتؤمن لا لتجادل، وتلحد ولهذا ،فالإلحاد عدم إيمان، حيث تجد الملحد أيضا ينكر البعث . إن الله خلق الإنسان بشفرة لا تتكرر حتى وان تشابه مع غيره في شكله أو سلوكه
"وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) الروم
ومعنى ذلك إن الله هو الذي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه.ولا يكون ذلك إلا بالعودة بعد الموت ؛للحساب ،ثم الاستقرار الأبدي بحياة النعيم الأولى الذي عاشها أدم بجنة الأرض قبل معصيته ، ولكن هنا سيكون البقاء في جنة الخلد بجوار الخالق عز وجل
لهذا فالملحد مريض فصام أي "شيزوفرينيا" تجده منفصلا عن الوجود المادي الذي ينادى بإنه الأساس لادعائه برفض فكرة وجود الله والغيب والبعث والحساب ؛ليخرج من نطاق المادة لنطاق اللاوجود، فيتضارب العقل بأفكار تودي به للوقوع فريسة للنفس الآمرة بالسوء ،فتجده منفصلا عن العقل الذي يعتبره دليل فكرته ،ويقصد بهذا المرض ضعف الترابط الطبيعي المنطقي بالتفكير ،ومن ثم السلوك والتصرفات ،والأحاسيس ،فيمكن للشخص نفسه أن يتصرف ويتكلم ويتعامل مع الناس وبطريقة قد تبدوا طبيعية تماماً في بعض الحالات ،ولكنه يقوم ببعض التصرفات الغريبة ،وكأنه شخص أخرفي حالات أخر ،لا يدرك أي شي يريد أو ماذا يريد بالتحديد ؟ ،كل هذا يكون بسبب الضلالات الغير طبيعية لهذا المريض، وما يصاحبها من خيالات وأوهام وأفعال غير منطقية
حيث أن الإنسان الذي يصبح غير قادراً على التعامل مع مشاكل الحياة المعقدة ،والمؤلمة نفسياً ،فانه يلجاء للانسحاب الفكري من المجتمع الذي يعيش فيه ،وهذا الانسحاب يكون من أعماق النفس ، ومن أعراضه الانطواء والانعزال عن الآخرين ،والمجتمع بصورة عامة، والوهم والسراب في الأفكار، والتي لا تمت للواقع بصلة لا من قريب ولا من بعيد ،فعلى سبيل المثال يتخيل هذا المريض بأنه شخصية عظيمة تتفوق على الآخرين ،وقد تدخله هذه المرحلة لجنون العظمة.؛لهذا تجده ينكر وجود الله ,وإنه وجد من عدم ، أو تفاعلات الطبيعة التي صنعتها الصدفة كما يدعي .
" نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) الواقعة
" وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (23) الذاريات
" إِنا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا (40) النبأ
إذن فجملة القول من هذا المقال إن الملحد ما هو إلا مريض فِصام "شيزوفرينيا "،ولكن ليس كل مريض فِصام " شيزوفرينيا " مُلحدًا .