القدس ليست مدينة كالمدن ولا عاصمة كالعواصم، إنها مركز الإشعاع الذى لا يذوى ولا ينطفئ، يتفجر بمعان تاريخية ودينية وحضارية، وإن التفريط فيها يعنى تفريطنا فى جزء من تاريخنا وجزء من ديننا وجزء من حضارتنا، كما أن التفريط فيها جريمة الجرائم فى حق الماضى والحاضر والمستقبل.
إن القدس فى خطر أرضاً وسكاناً؛ حاضراً ومستقبلاً، و"إسرائيل" تسعى لتهويدها حجراً حجراً، ولتهجير سكانها منها وحصارها اقتصادياً واجتماعياً بعزلهم عن بعدهم وعمقهم الفلسطينى والعربى وممارسة كافة أشكال الإذلال والتضييق والاستفزاز؛ فى هدم للبيوت ومصادرة للممتلكات وسحب للهويات وإقفال المؤسسات الوطنية وشقّ الطرق وسط التجمعات الفلسطينية وبناء للجدار وعرقلة تحركاتهم والتضييق على عبادتهم والاعتداء على المقدسات ..، إلخ، حتى أنه لم يسلم من هذه الحملة لا الأحياء ولا الأموات فى قبورهم ولا الشجر ولا الحجر من القمع والتنكيل والتنكيد اليومى الذى يعيشه المواطن المقدسى.
ومن حسن حظ القدس أن التاريخ البشرى دائم الحركة والتغيير، والغزوة الصهيونية لمدينة القدس ليست فريدة، فقد واجهت هذه المدينة عبر تاريخها الطويل الموغل فى القدم كثيراً من الغزوات والنكبات أدت إلى هدمها وإعادة بنائها 18 مرة، وكانت فى كل مرة تخرج مرفوعة الرأس موفورة الكرامة والصلابة بصورة تدعو إلى الفخر والاعتزاز، ولعل الله عز وجل وضع فيها سراً من أسراره الإلهية يساعدها على البقاء فيه تحت البصر وحيّة فى أعماق البصيرة.
ومهما طال مكوث الاحتلال، فمن يعرف القدس يحبها ويضحى من أجلها، والتضحية هى مفتاح النصر بالدنيا ومفتاح الظفر بالآخرة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
ويقيننا أنه مهما ادلهمت الخطوب وعبست الأيام فلن يتسرب اليأس إلى قلوبنا ولن نقول للقدس إلا مهلاً يا أنشودة الحياة وصبراً جميلاً يا أم الأنبياء والشهداء، ولن نقول للقدس وداعاً، بل لقاء مرتقباً ونصراً مؤكداً أن شاء الله.