الانفصال الأسرى فى مجتمعنا المصرى تزايد فى الآونة الأخيرة بصورة بالغة أصبحت تهدد الأمن الاجتماعى بصورة واضحة، تجعلنا فى حاجة أن نتمعن جيداً فى أسباب تفشى تلك الظاهرة.
فالمواطن المصرى بطبيعته أحد أهم أهدافه فى هذه الحياة هى تكوين أسرة مكونة من زوجة وأولاد، ويسعى منذ بلوغه وإدراكه لطبيعة الحياة لبلوغ هذا الهدف، وفى مجتمعنا لا يسعى المواطن بمفرده فى كثير من الأحيان ولكن تسعى معه أسرته المكونة من والده ووالدته، يسعون معه فى مختلف الاتجاهات على المستوى المادى وعلى مستوى الاشتراك فى اختيار شريكة حياته، على عكس المواطن فى الخارج الذى يختار شريكة حياته بمفرده دون أى تداخل من أفراد أسرته المحيطين به.
وفى مصر الزواج أصبح ليس بالأمر الهين السهل المنال بل أصبح أمراً معقداً شديد التكاليف، فالشاب المصرى الذى ينتمى إلى الطبقة المتوسطة وليست الفقيرة أصبح يجد صعوبة بالغة فى شراء مسكن وتوفير نفقات الزواج، لأننا لدينا طقوس متوارثة معقدة كشراء الذهب الذى أصبح الجميع يتسابق من أجل أن تتفاخر به الأسرة المصرية بأنها الأعلى بين أقرانها فى شراء المصوغات التى فى كثير من الأوقات تتحول إلى أحد أهم القضايا فى ساحات المحاكم، وأيضا مصاريف حفلة الزواج التى تتكلف الكثير والتى أصبحت غير مقصورة فقط على المدينة بل امتد الأمر إلى القرى والنجوع وينفقون على تلك الحفلات فى بعض الأحيان أكثر مما تكلفه الأسرة المصرية فى المدينة، وتكاليف أخرى كثيرة يطول سردها.
ولكن كيف يتحول هذا الحلم الذى يسعى إليه المواطن المصرى ويكرس كل طاقاته من أجل تحقيقه إلى كابوس قد يدمر الأسرة بأكملها؟
عندما تفكر فى تلك الأسباب ستجد أنها شديدة التعقيد والاستغراب فى مجتمعنا المصرى وستجد أنها حالات متكررة متشابهة، ولكن مع اختلاف الشخصيات، فأتعجب كثيراً عندما أقرأ فى جريدة أو فى أحد المواقع عن أب تخلص من أسرته بطريقة بشعة لا يمكن أن يتخيلها أى إنسان خلقه الله على وجه الأرض وعندما تقرأ فى تفاصيل الخبر تجد أنه كانت تربطه بزوجته علاقة حب قبل زواجهما وأنها أو أنه أصرا على الزواج رغم اعتراض أسر إحدى الطرفين، ولكن فجأة يتحول هذا الحب الجارف إلى عداء وكراهية بسبب خلافات مالية أو رغبة أحد الطرفين فى الانفراد بالقرارات الحاسمة داخل المنزل أو لأسباب أخرى لا يمكن أن يعلم بواطنها سوى أحد الطرفين، ويتحول هذا الزواج القائم على الحب والعلاقات الحميمة بين الطرفين إلى فشل ذريع ونهاية غير متوقعة.
فى اتجاه آخر تجد أن الزواج الذى نطلق عليه فى بلادنا زواج الصالونات أحيانا يجانبه التوفيق وأحيانا أخرى لا يكلل بالنجاح، وهذا النوع يمثل النسبة الأكبر من نمط الزواج داخل مصر ولكنه لا يكلل بالنجاح لأساب كثيرة منها عدم معرفة الطرفين ببعضهما البعض، وأيضا عدم التوافق والتعجل فى الارتباط دون إعطاء مساحة كافية لمعرفة طبيعة الطرفين النفسية والمزاجية وجميع التفاصيل التى من الممكن أن يتم معرفتها واختيار الأسلوب الأمثل للتعامل بين الطرفين، فى جانب آخر أحيانا يكون الانفصال نتيجة التداخل الشديد للآباء فى شئون أولادهم مما ينتج عن هذا التداخل كثير من المشاكل لعدم رغبة الزوجة فى أن يتداخل أحد فى شئونها الخاصة أو أيضا رغبة الزوج فى ألا يتدخل أحد فى شئونه الخاصة وهناك أمثلة أخرى عديدة لأسباب الانفصال يطول سردها
ولكن من الخاسر فى كل تلك المعادلات السابقة وماهى الحلول التى من الممكن اتخاذها للحد من الحالات المتكررة؟.
أرى أن الخاسر الأكبر فى تلك المعادلة هم الأبناء، فهؤلاء لم يقترفوا أى ذنب حتى يشعروا بآلام شديدة نتيجة عدم قدرتهم أن ينعموا بحياة طبيعية مثل أقرانهم، فمن حقهم أن يعيشوا حياة هادئة مستقرة بين أحضان آبائهم، من حقهم أن يجدوا من يتابعهم ويطمئن عليهم على جميع الأصعدة صحيا وتعليميا وسلوكيا، ومن حقهم على آبائهم أن يشعروا بالأمن والأمان الاجتماعى، فلنا جميعا أن نتخيل شعور وإحساس أطفال صغار لا يستطيعون رؤية آبائهم إلا فى أوقات معينة تحددها محكمة الأسرة فى الوقت الذى يرون أقرانهم من أقاربهم أو زملائهم فى المدرسة ينعمون برؤية آبائهم والاستمتاع بأوقاتهم معهم طوال اليوم بل وأحيانا يحدث الأصعب من ذلك فتجد أن الأب يتزوج مرة أخرى ويرتبط بحياة جديدة والأم أيضا تتزوج وترتبط بحياة جديدة ويجد الأبناء أنفسهم بمفردهم فى حياة مليئة بالمصاعب والكل يبحث عن ذاته دون النظر إلى الآخر.
لا توجد عائلة فى مصر، أو بالمناسبة خارج مصر، تعانى من بعض المشكلات الزوجية، وهذه سنة الحياة وطبيعتها المتقلبة، ولكن يجب أن نحاول جميعا أن نتحمل بعضنا البعض وأن نعمل على إيجاد حلول بطريقة هادئة وليس بطرق أخرى تؤدى إلى تفاقم الأحداث بسرعة كبيرة تؤدى إلى الانفصال السريع التى يدفع ثمنه الأولاد الصغار، على الأم المصرية أن تحاول فى تغيير بعض العادات المتوارثة كالتدخل الشديد مع الأبناء والفتيات فى اختيار شركاء حياتهم أو التداخل الشديد أيضا فى أدق التفاصيل الداخلية فى حياة أبنائهم بعد مرحلة الزواج، أيضا على طرفى تلك المعادلة قبل مرحلة الزواج أن يعرفا بعضهما البعض لفترة تسمح للطرفين بمعرفة كل شىء عن الطرف الآخر حتى يستطيعا التأقلم مع السمات الشخصية لكل منهما لكى تسير الحياة بشكل جيد يؤدى إلى تكوين أسرة صحية وأولاد يستطيعون أن يحيوا حياة هادئة صحية بعيدا عن أى صراعات.