كان حدثا طريفا عندما حضرت زوجتى, تطلب منى مساعدتها فى حل مسألة رياضية لصغيرنا حسين, أو كما نحب أن نسميه "حنوتى".. وكانت فرصة لى لأتمازح معها, وأبرز عضلاتى, ومهاراتى العلمية والهندسية, فقلت غامزا إياها "مسألة بسيطة ولم تستطيعى حلها؟".
أثناء حديثى معها, كنت أقلب النظر فى المسألة, وعندها بدأت الضحكة تغيب عن وجهى, فأنا لم أعطها الجواب فورا, واحتجت لبعض الوقت لحلها.. وها قد وقعت فى مصيدتى التى نصبتها لزوجتى, والتى لم تقصر فى رد الصاع لى بصاعين قائلة وبنفس طريقتى "أين هم المهندسون؟".
طبعا حللت المسالة بعد بضع دقائق, فقد كانت معادلة من الدرجة الثانية, وتحتاج لبعض الوقت لحلها, لكنى نسيت أن أذكر, أن "حنوتى" كان فى الصف الثانى الابتدائى فقط؟!
حكاية المناهج فى بلدنا, قضية تكاد تشبه مرضا مستعصيا على الحل, ليس لاستحالة الحل, وإنما لأن قضية معالجتها وضعت فى يد من لا علاقة له بالقضية, أو من لا يرغب فى حلها أصلا, أو يريد أن يتعمد جعلها بهذه الصورة الغريبة!
من يتواصل مع معلمى مدارسنا بمختلف المستويات التعلمية, سيلاحظ تذمرهم من المناهج لأسباب قد نتصورها بداية غريبة, رغم واقعيتها.. فمع أن بعض المناهج أو لنقل جزءا منها حديث, لكن معظمها تتسم بالتطويل, وعدم الملائمة الفكرية والعلمية للمرحلة العمرية التى خصصت لها.. كما وإن بعض تلك المناهج يواجه المعلمون أنفسهم صعوبة فى فهمها, فكيف سيوصلونها بصورة صحيحة لطلبتهم!
قضية أخرى ذكرها خبراء تربويون ونفسيون, تبين أن تحديث المناهج يتطلب أن يتم تطبيقه من الصفوف الأولية فأعلى, وتطبق تدريجيا وتتابعا تصاعديا.. لكن ما حصل أن تحديث المناهج طبق على كل المراحل معا, فدرست مواد ومناهج لمراحل لم تكن لديها مقدمات أو فكرة عنها فى سنوات سابقة, فكما هو معروف إن العلوم تدرس خلال سنوات وتراكميا.
ما يزيد الطين بلة, هو تراجع المستوى العلمى عموما, وانخفاض درجة اهتمام الأسر والمجتمع عموما, بقضية الدراسة نتيجة لصعوبات معيشية تتطلب الدخول لسوق العمل فى سن مبكرة, لمعاونة الأسرة فى توفير سبل العيش, وخصوصا إن كان الابن ذكرا, لذا يلاحظ وبكل وضوح أن كفة التفوق تميل لصالح الفتيات, وهو مؤشر مجتمعى ليس صحيحا يحتاج لدراسة معمقة لمعالجته.
يتمم كل تلك المشاكل, شبهات الفساد المحيطة بعملية طباعة المناهج, والأخطاء المتكررة فيها, وتأخر وصول المناهج للمدارس, مما يدفع المدارس للإعتماد على طبعات قديمة من الكتب, لا تخلوا هى الأخرى من الأخطاء.. أو الطلب من الأهل شرائها من السوق!
تتقدم الدول وتتطور وتعلوا مكانتها, إن أولت إهتماما حقيقيا لأجيالها القادمة, من خلال بناء وتنشئة جيل متطور علميا ومتفوق على نفسه أولا, وهذا لن يتحقق دون عملية تربوية سليمة, مخطط لها بمنهج علمى واقعى, يلائم طبيعة مجتمعنا ومستويات أجيالنا بما عانته من ظروف وأثار حروب.
التطوير من خلال قفزات غير مدروسة أو منطقية لن يحقق تقدما, بل سيسبب فوضى وتخبطا لأجيال بأكملها, وسنخسرها ولن ننجح فى استعادتها, ليست هى وحدها, وإنما سنخسر أى جيل يربيه هذا الجيل الذى خسرناه.