تستحق السيدة جاسيندا أردرن رئيسة وزراء نيوزيلندا أن تحصل على لقب سيدة نيوزيلندا الأولى، بل وتستحق أن تحصل على لقب سيدة العالم.
فقد استطاعت السيدة صاحبة الـ38 عاما أن تمتص غضب الملايين من المسلمين حول العالم بعد حادثة مسجد النور الذى راح ضحيته قرابة الـ40 مسلما، فقد أدارت تلك الأزمة بقدر عالٍ من الحنكة السياسية والإنسانية، فقبل أن توجه خطابها الرسمى بخصوص تلك الحادثة توجهت إلى أسر الضحايا مرتدية حجابا على رأسها لتعلن تضامنها المعنوى مع هؤلاء الضحايا، وتشعر أثناء حديثها معهم أنها تشعر بحالة من الخجل والأسى جراء ما حدث للمواطنين المسلمين فى بلادها، وتحاول إرضائهم بكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة.
أما على الجانب الرسمى، فقد بدأت السيدة جاسيندا أردرن خطابها الرسمى من داخل البرلمان النيوزيلندى للعالم أجمع بخصوص تلك الحادثة بجملة السلام عليكم وهى تتشح بالملابس السوداء، ورفضت طوال خطابها أن تذكر اسم منفذ الحادثة ووجهت له اتهامات مباشرة بالتطرف والعنف والعنصرية وطالبت بمعاقبته أشد العقاب، بل وطالبت الجميع بالتكاتف سويا ضد هذا العنف الدينى غير المبرر.
وخاطبت مواطنى بلادها من داخل البرلمان النيوزيلندى بضرورة الحضور إلى منتزه كرايست تشيرش هاجلى بالقرب من مسجد النور لحضور مراسم تأبين الضحايا، وفى مشهد معبر عن روح التسامح الدينى والمحبة بين الناس أجمع دون النظر إلى اللون أو الديانة حضر جمع غفير لتأبين الضحايا وعندما تنظر إلى وجووهم وتتمعن جيدا تجد أنهم يشعرون بحزن وخجل شديدين جراء ما حدث لمواطنين أبرياء يمارسون شعائرهم الدينية فى سكينة وهدوء، ووجدنا عددا كبيرا من سيدات نيوزيلندا يرتدين الحجاب أسوة برئيسة وزراء بلادهم، هذا المشهد سيظل خالدا فى قلوب مسلمى العالم أجمع، فكم من حوادث كثيرة تعرض لها المسلمون حول العالم ولم يحرك أحدا ساكنا، فالوضع هذه المرة اختلف وتغير تماما، فقد أصدرت السيدة جاسيندا أردرن تعليماتها برفع أذان صلاة الجمعة التالية فى التليفزيون الرسمى للدولة ونقل شعائر صلاة الجمعة مباشر لأول مرة فى تاريخ أى دولة غير مسلمة على مستوى العالم.
ما حدث من تلك السيدة وموقفها القوى والحاسم فى مواجهة تلك الحادثة انعكس بالإيجاب على شعبها ومواطنيها الذين ذهبوا إلى المساجد أثناء صلاة الجمعة لحماية المسلمين الذين يمارسون شعائرهم الدينية داخل المساجد لدرجة وصلت أننا رأينا أفراد بعض العصابات المعروفة فى نيوزيلندا يقفون على أبواب المساجد لتأمينها وحمايتها.
استطاعت تلك السيدة أن تدير الأزمة داخل بلادها بكل إتقان واحترافية باتخاذها مجموعة من الإجراءات الإنسانية، استطاعت أن توحد مواطنى بلادها على رأى موحد رافض لتلك التصرفات الإرهابية الممنهجة التى ترفضها الإنسانية قبل أن ترفضها الأعراف السياسية، وقد استطاعت أيضا تلك السيدة أن تعطى للجميع آمال كبيرة فى أن يتفهم العالم الخارجى مفهوم الدين الإسلامى الصحيح الذى يدعو إلى التسامح ونبذ التعصب الدينى والرغبة فى العيش بسلام مع الجميع.
يجب علينا جميعا مواطنين ومسئولين أن نتعلم من السيدة جاسيندا أردرن كيفية إدارة الأزمات بالأساليب الإنسانية البسيطة بعيدا عن المعادلات والتوازنات السياسية المعقدة التى تؤدى فى كثير من الأوقات إلى تعقد الأمور وتأزمها، ومن الظلم والإجحاد أن يتم وصف ما فعلته السيدة جاسيندا أردرن بأنه على سبيل الخوف من ردة الفعل التى من الممكن أن تؤدى إلى بعض الضرر على بلادها نتيجة بعض العمليات الإرهابية وأنها تمتص غضب تلك الجماعات المتعصبة.
علينا جميعا أن نعلم أن السيدة جاسيندا أردرن تلقت تهديدات بالاغتيال على يد جماعات يمينية متعصبة داخل نيوزيلندا وخارجها، ولكنها لم تفكر ولو للحظة فى تلك التهديدات، وكان همها الأكبر فى ذلك التوقيت هو جبر خواطر عائلات الضحايا ومحاولة التخفيف عن آلامهم بكل الوسائل الإنسانية الراقية، يجب علينا أن نستغل أمثال تلك المواقف النادر حدوثها لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى صدرتها بعض الجماعات الموتورة عن الدين الإسلامى.
كل التعازى فى ضحايا مسجد النور بنيوزيلندا الذين سيتذكرهم الجميع طوال هذه الحياة الزائلة، ونتمنى جميعا أن يسلك دول ورؤساء العالم أجمع مسلك ومنهج السيدة جاسيندا أردرن التى نشكرها جميعا على مشاعرها الإنسانية الراقية وهى تستحق حقا لقب سيدة العالم.