ما كنت أصدق أن الموسيقى بهدوئها تستطيع أن تصدر موجات مضادة لتحمى أذنيك من رعود الشتاء.
ولا آينشتاين يصدق حدوث هذا الهراء، أى موسيقى تلك التى تحجب صوت الرعد وهو يستطيع أن يتخلل أعتى الجدران، ويخترق أقوى المبانى ليصل إلى قلبك ويستقر فى نبضاتك حتى تتسارع من الخوف !!
وما كنت أتصور أن قطًا أليفًا يستطيع ببراءته أن يتغلب على أسد مفترس قد أوشك الجوع أن يقتله.
ولا ناشونال جيوغرافيك تتخيل وقوع هذا الإعجاز فى يوم من الأيام !!
وما كنت أؤمن أن شمعةً يمكن أن تحجب بضوئها الهادئ أنوار البرق أو تستطيع أن تعكس أشعته المحرقة !
ولا أعتى علماء الضوء يصدق حدوث هذه الخرافة، فالمعروف أن المصدر الأقوى للضوء يتغلب على المصدر الضعيف، فكيف لشمعة ضعيفة أن تحجب بروق السماء !!
كل هذه التهيؤات أصبحت حقيقةً تحدث أمامى، ربما تساءل الجميع ما هذا النوع من الموسيقى ؟ وما هذا القط الأليف ؟ وأى نوع من الشمع تتحدث عنه !
لقد كانت حياتى أشبه بتلك الغابة المحاطة بهذه الأهوال الثلاثة، الرعود المرعبة والأسود المفترسة والبروق التى تخطف الأبصار ،
الرعد الذى أسمعه كل ليلة بما يمر بخاطرى من الذكريات الشاحبة التى تذكرنى بأصوات الراحلين ، كلما تذكرت الماضى تسارعت نبضاتى وتملكنى الخوف، حتى أننى اعتدت سماع النبض من رأسى لكثرة ما يراودنى من هذا الإرهاق، هذا الرعد لم أجد له علاجًا فى حياتى حتى أصبحت خائفًا من كل شىء، فكيف لى أن أقبل على مزيد من الأشخاص ومتسع من الحياة وأنا لا أستطيع أن أنسى هؤلاء الراحلين أو أتجاوز غيابهم !
والأسود هم أولئك الأعداء من حولى، لا أعلم أعدادهم ولا هوياتهم، كلما وثقت بأحدهم تحول إلى عدو، وربما أظهر عداءه أو أخفاه حتى يحين وقت الانقضاض إذا اعترانى الضعف أو تكلمنى الخوف، فما عدت أجلس مع صديق إلا وأنتظر وقت رحيله وإظهار حقيقته !
والبرق هو أضواء الحياة التى تسحر الناس وتخطف أبصارهم، فكلما سلكت طريقًا أغرتنى أضواء طريق آخر، هذه الأضواء تعمى البصيرة إلى حد أنك تصبح ما لا تتمنى أن تكون عليه، كنت أتساءل كيف لى أن أتخلص من هذا التيه واختار طريقًا معتدلًا أطمئن إليه ؟
كل هذا قبل اتصالٍ يخبرنى بأننى لا زلت أحبك، وأريد أن أراك ،
هل من المعقول أنها تحبنى بعد كل هذا التقصير معها ! وبعد أن تركتها منذ سنوات حينما أصبحت مشتتًا بين أحداث الحياة صريعًا فى همومها !
ذهبت إليها دون أن أعرف، ومشيت معها دون أن أتحرك، لم يكن هناك طرقًا فى هذا اليوم ولم أرى بشرًا فى أى مكان،
جلست أمامها فما رأيت ما تلبس ولا دريت أين نجلس ،
حتى النادل الذى استقبلنا ما رأيته إلا طيفًا، ولا أدرى ماذا قال وماذا طلبت منه ولا أحسست كم من الوقت مر بجانبها ،
كل ما أعرفه أن هذا الصراع بداخلى ما عاد موجودًا وأن هذه المخاوف تبخرت او صارت شيئًا رائعًا ،
هى الموسيقى التى دائمًا ما كنت أبحث عنها لتحمينى من رعب الليل ورعود الشتاء وخوفى من الحياة ،
هى القطة التى تغلبت على ما بداخلى من صراع وما حولى من أسود تتربص بى ،
وهى الشمعة التى اضاءت لى الطريق ورسمت لى الدنيا وجنبتنى بروق الدنيا ومغريات الحياة ،
" هذا الحب الصادق يهبك كل ما تريد "
أخيرًا آمنت بهذه العبارة وأيقنت أن الحب يصنع المعجزات، لقد تغيرت حياتى بوجودها كما تغيرت الدنيا بعد ظهور الإسلام، ولولا وجودها، ربما ما كنت لتقرأ لى مقالًا ذات يوم .