سرب من غمام يحيط بقرص الشمس ، نظرت لساعة يدي وجدتها تقترب من الخامسة ، تتضاءل الفروق بين المغرب و وقت بزوغ الفجر، لا أدري إن كان الوقت نهاراً يحتضر بلحظاته الأخيرة أم فجر يوم وليد يحبو بخطواته الأولى.
تنتشر على المدى البعيد درجات متباينة من الأبيض أو الأسود ، هكذا يبدو أنه حلم، فيقيني أن النوم يخلو من بهرجة الألوان ، حيث تستقر الحياة على حقيقتها دون زيف لكن .. أذاك يعني أني نائم ! فهل يملك النائم وعياً بنومه ؟ أيدرك أنه يحلم ؟
أفقت على لكزة ، عجوز ترغب بعبور الشارع ، تسير بتؤدة دون عصا، ممشوقة القوام ، حادة اللسان بادرتني بقولها : لا يقف مثل موقفك هذا إلا اثنين ، لص يتربّص أو عسس يترصّد ، فمن أنت ؟
أجبتها ضاحكاً : ربما أنا شخص ثالث.
لا ثالث فيمن ذكرتهما ، فهات ما عندك .!
همست لها بعد أن بدأ الناس في الهطول من كل صوب : ربما تائه لا يعلم إلى أين يمضي.
كانت تقبض على معصمي الأيسر بشدة لا تناسب وهن مظهرها ، ردّت بحذر: لا يتوه الآن إلا من رغب في الضلال عمداً.
سألتها لاستدرجها بعيداً عن قسوة ألفاظها : هل أنت من سكان المكان؟
أحسست بوخز بيدي، نظرتها فإذا بأظافرها قد برزت كمخالب لبؤة على وشك الانقضاض على فريستها، أسفر ثغرها عن ابتسامة لا أعلم أين رأيتها من قبل ، ثم .....
أفقت ثانية على وكزة بكتفي من الخلف ، و صوت بغلظة يقول : وصلنا آخر الخط ، لم تدفع " الأجرة " بعد.