صبيحة أحد أيام الشتاء الماضى، بالتحديد فى السادسة والدقيقة الثامنة والخمسين تماماً حسبما أتذكر، صحوت على دقات منبّه "الساعة" برنّاته المزعجة، كما يفعل كل يوم، راعيت منذ فترة أن أجعله متأخرا عن السابعة قرابة دقيقتين، وقت كاف لإزالة ما يعترينى من دهشة تحلّ على رأسى عند استيقاظى .
استيقظت على دقات مزدوجة، آتية من المنبّه القابع على منضدة مجاورة لسريرى، أخرى قادمة من الباب الخارجى، دقات متتالية تشى بأن أحدهم أتى فى عجلة من أمره، غالبا ما يكون نذير خطب جلل، حديث دار بينى و بين نفسى و أنا أتوسط فراشى قلقا.
زاد الدق ثم تحول لطرق شديد، دفعنى للنهوض متعثرا فى خطواتى يغمرنى خوف خفى، عبثت بالمنبّه حتى خمد صوته، أسرعت للباب فتحته موارباً، رأيت أشباحاً لنفر يسدون المدخل، بعضهم يتوسّد درجات السلم .
من أنتم؟ سؤال تردد بجوفى لكن منعنى جفاف حلقى أن أصرخ به، سمعت من يقول: أهكذا ترحب بضيوفك؟
من أنتم؟ ينبغى أن أعرف الضيف كى أفيه حق الضيافة، الظلام يمنعنى رؤيتكم، وُتصدرون جلبة تثير فزع السكان .
فزع؟ سكان؟ نعرف أنك وحدك تقيم بهذا المنزل القديم الكبير، ما جئناك بشر .لكنّا نعتذر لإثارة هلعك .لو شئت انصرفنا .
كأنكم تعرفون عنى كل شيء؟
خيّم صمت، وخزنى ضميرى، لامتنى نفسى: ما هكذا تردّ من قدم إليك! لم تُربى على هذا !، فانبريت معتذراً، لكن ظل سؤالى يتردد بداخلى دون قدرة على إعلانه: من أنتم؟
أتانى نفس الصوت من بعيد كأنما ينبعث من بئر عميقة: للمرة الثانية تُعلن عن خوفك بسؤالك من نحن، تثير زوبعة من غضب كتوم بيننا، كأنك ترانا تركة ثقيلة تسعى للخلاص منها، لم ترحب بنا بل استقبلتنا متوجسا، ثم بدا أن صوته يضمحل ثانية بعد أخرى كأنما ينصرف .فى إثره تُسرع خطوات كثيرة، أقدام ثقيلة، أصغيت جاهدا لتبيّن كلماته المتناثرة الوافدة من بعيد صحت بأعلى صوتى: أعتذر عن رعونتى، فما سألت إلاّ لضعف بداخلى وخوف نشأت عليه فقد جئتمونى دون توقع، تبدّد صوتى دون طائل، عدت لغرفتى كدرا، لا زلت صبيحة كل يوم فى السابعة صباحا أو بالأحرى فى السادسة والدقيقة الثامنة والخمسين، أصحو من نومى على صمت مريب يأخذ بخناق " المنبّه " يمنعه من الصراخ .