يقول الدكتور على الوردى في كتابة خوارق اللاشعور: "إن من البلاهة إن نحاول إقناع غيرنا برأي من الآراء بنفس البراهين التي نقنع بها أنفسنا، يجدر بنا أن نغير وجهة إطاره الفكرى أولا.. وإذ ذلك سنجده قد مال إلى الإصغاء إلى براهيننا بشكل يدعو للعجب" وإن إدراكنا لحقيقة الإطار الفكري لدى الآخرين ومقدمات ما يبتنى عليه من قراءات وأراء وأفكار يساهم بشكل كبير في تجنبنا الوقوع فى فخ النزاعات الفكرية والنقاشات التي لا تفضي إلى نتائج مرضية.
إن القناعات الشخصية سواء أكانت سياسية أو دينية أو غيرها لا تعدو عن كونها خاضعة لمقاييس نسبية ومقدمات وعوامل بيئة وثقافية ومؤثرات فطرية مختلف فالإنسان عادة ما ينظر إلى الأشياء من خلال إطاره الفكري الذي اعتاد اللجوء إليه لاستلال قراءاته واستنباط مخرجاته الفكرية إزاء القضايا والأحداث والمستجدات.
إن الانغلاق الفكري والتاطر بحزمة من الأفكار والمحددات الضيقة ستؤدي بالنتيجة إلى اضمحلال نزعة البحث والتحري الفطرية لدى الإنسان وتصيبه بالخمول والاتكاء على قاعدة رملية هزيلة لا تقوى على مقارعة الحداثة والمتغيرات الثقافية، مؤدية به إلى منزلق التخندق والتعصب والاستغراب ونكران كل ما لا يراه من خلال زاويته الفكرية الضيقة بغض النظر عن كونها - قاعدة المنطلقات الفكرية- صائبة أو خاطئة فمدار الحديث يدور حول التمحور في دائرة التأطر والانغلاق حول متبنيات بعينها بعيدا عن المرونة وتملي وجه الصواب أو احتماله.
إن غياب التجرد في قراءة الأحداث وفق ما يتوفر من معطيات واقعية وبأدوات عقلية ومنطقية؛ يؤدي إلى خلق أزمات كارثية في البنية التكوينية للمجتمع بكل مفاصله ويسهم بشكل أو بأخر إلى الإسهاب في التمادي والتغول في فرض الذات والإرادة على حساب الآخرين بل يتعدى إلى أكثر من ذلك ليصل إلى مراحل متقدمة في منهجة الآخرين وادلجتهم واتخاذهم أدوات ضغط وتأثير لتمرير الأجندة وصناعة رأي عام ضاغط قبال السياقات المنطقية العامة وتوجهات الآخرين ورادتهم من خلال التأثير في سلوكيات الذوات من السطحيين الذين يعدون أرض خصبة لنمو هذه الظاهرة وتناميها بشكل مضطر, مما يسهل عملية اقتيادهم وبرمجتهم بما يتسق وأطرهم الفكرية وما ينسجم ويتناغم مع تطلعاتهم المرحلية التي من الممكن إن تحمل بين جنباتها شيء من الواقعة الممتزجة بالفوضى في الإجراءات والآليات المتبعة للوصول لغاياتها مشروعة..