إذا قرأ الغبىُ الكثيرَ من الكُتب الغبية، سيتحول إلى غبى مُزعج وخطير جداً، لأنه سيصبح غبيًا واثقًا من نفسه وهنا تكمُن الكارثة، جملةٌ كتبها برنارد شو ولخصت الكثير من أسباب التعصب والتخلف عند الكثير من الناس، فليس كل من يقرأ كتابًا يفهم مغزاه، ولربما كان ذلك أكثرَ خطورةً من عدم القراءة نفسها، فمن لا يقرأ فى النهاية قد أضر بنفسه.
أما القارئ دونَ فهمٍ هو مشروع أحمقِ مستقبلي يضرُ نفسَه ومن حوله أيضًا، فتراه يتكلم بما لا يفهم واثقًا فى نفسه أشد الثقة، بل والأخطر أنه يرى الناس كما يرى العاقلُ مجنونًا يثرثر فيزداد فرحًا وثقةً بعقله الفقير.
أو ينظر إليهم كما يستطلع المولودُ الناسَ من حوله فلا هو يفهم ما يقولون ولا يراهم سوى حمقى يحركون شفاههم ويضحكون بلا سبب ولا هدف.
إن عدمَ المرونةِ فى الفهم هى أول أعمدة التعصب وركائز ذلك الغباء، فترى الأهوج إذا قرأ فى الفقه والدين أخذ الكلام بنصه حفظًا دون فهم المقصد العام، والتزم بالظاهر دون معرفة الجوهر، وإذا قرأ موقفًا تاريخيًا استشهد به فى غير موضعه وأسقطه على الواقع بشكلٍ سخيفٍ ليبرر موقفًا آخر، وإذا قرأ عن الحرية أصبح متهورًا متملقًا، وإذا قرأ عن الظلم أصبح ناقمًا غاضبًا، وإذا قرأ عن الجهاد أصبح قاتلًا، ذلك المسكينُ ربما يصل إلى مكانةٍ تمكنُه من اتخاذِ قراراتٍ تؤثر فى الكثير من الناس وعلى حياتهم، فداعش تكونت نتيجةَ عدمِ الفهم لمعنى الإسلام ولطبيعة الجهاد.
وتظهر بوادرُ التعصب فيمن يدافع عن أخطاء أى جهةٍ لكونه متعلقًا بالهدف العام دون اقتناع بطرح آخر يخرج عن دائرة هذه الجهة.
جميع هؤلاء متفقون أن الغايةَ تبرر الوسيلةَ سواء كانوا من داعش أو غيرهم من الجماعات المتهورة .
لذلك، على القارئ الجيد أن يعرف بأنه ربما يكون مخطئًا فى الفهم، فلا يحارب من أجل فكرةٍ أو يخلص لها إلا إذا تحقق منها بشىء من العقل والحياد، ومهما بلغ الإنسانُ من الفكر واقتنع بمبدأ راسخ، لابد أن يضع احتمال أن يكتشف خطئًا فيه فى يوم من الأيام، وألا يتردد حينها فى تغيير الطريق وأن يلتزمَ الصدقَ مع النفس والشجاعةَ فى الفعل فلا يبقى على طريقٍ قد تبين خطأه، وإلا يصبح متعصبًا يحارب لأجل وجهته الخاصة ولو اختلفت مع المبادئ الصحيحة للدين والعلم.
وهذا هو الفرق بين السوى والمتعصب، الأولُ عنده مرونةٌ فى قبولِ الخطأ والاعتراف به ومعالجتِه، والآخرُ لا يقبلُ الخطأ ولا يعترف به ويرفض معالجتَه.
وما يتسبب فى ذلك التعصب القراءةُ من منظورٍ واحد يدعم الفكرةَ التى يتبناها الفرد، فتجده يقرأ ويسمع ما يؤيد فكرته ويترك ويسفه ما يتعارض معها.
والحل أن يوازن الإنسان فى كل شىء وألا يعطى لفكرةٍ أكبرَ من حجمها حتى لا تصبح هدفَه الأسمى فيضيع الكثيرَ من الوقت والجهد ثم يكتشف أنها سراب دمر حياته وعجل نهايته.