القارئة ندى فايد تكتب: رحلة الأحلام إلى مصر وما أتذكره عن فاروق الفيشاوى

فى إحدى الليالى الباردة من فصل الخريف وأنا أجلس أشاهد التلفاز فى غرفتى فى بيروت استوقفتنى مقابلة مع الفنان المرحوم فاروق الفيشاوى، كنت قد شاهدت بعض من أفلامه وعلى دراية بتاريخه الفنى وشهرته الواسعة فى العالم العربى، لكن خلال هذه المقابلة دهشت لما كنت أرى وأسمع. رأيت فيه الإنسان وليس فقط النجم. تحدث عن حياته وعمله بكل سلاسة وشفافية. تمنيت للحظة فى نفسى أن ألتقى هذا الإنسان. شاءت الصدف أن اذهب إلى مصر بعد بضعة شهور لأزور أصدقائى المصريين، وكان ذلك قبل عيد الحب. وفى جلسة عائلية مع الإذاعى الكبير المرحوم وجدى الحكيم وفى لمسة منه لكى يجعل رحلتى إلى مصر رحلة لا تنسى وهو المعروف بحسن ضيافته قال لى بلهجته المصرية: "تتمنى إيه يا ندى فى الفالنتاين؟" فى تلك اللحظة تذكرت ما تمنيته فى لحظة منذ أشهر وقلت: "ابتسمت وكأننى أطلب المستحيل، أمنيتى أن أتعرف على النجم فاروق الفيشاوى"، وبعد أيام ونحن نتناول العشاء مع بعض الأصدقاء فى أحد مطاعم القاهرة فجأة نظرت إلى الباب فرأيت فاروق الفيشاوى يدخل ويتطلع إلى اليمين واليسار بعيون بريئة كعيون الأطفال، وليس كدخلة فنان مشهور يتطلع يمينا ويسارا ليتفقد المعجبين، وإذ بى أراه يأتى إلى طاولتنا، فرحت كثيرا وقلت لوجدى الحكيم: "بوجود فاروق الفيشاوى اليوم عيد الحب فعلا"، رد وجدى: "إيه رأيك بالمفاجأة دى؟ كان هذا العشاء من أجمل اللحظات. ليس فقط لأننى مع أطيب ناس بل لأننى تيقنت حقيقة اننى فى مصر أم الدنيا! أذكر حينها أنه جلس إلى جانبى وكأننى صديقة قديمة يعرفها منذ زمن وليس كمعجبة. وبدأ يتحدث معنا جميعا بكل تلقائية كما عهدته فى التليفزيون. وبدل أن يسهب فى الكلام عن أعماله تكلم كيف أنه يشعر بالأسى بأن الحظ لم يحالف بعضا من زملائه من دفعته. كنت قد سمعت من قبل أنه يوصف بمجال الفن أنه صاحب صاحبه. فقلت فى نفسى إنه ليس فقط كذلك بل إنه إنسانى جدا لم تنسه الأضواء زملاءه ومعاناتهم. وبعد بضعة أيام بينما كنا نتنزه أنا وأصدقائى على النيل، اتصل ودعانا إلى أحد الفنادق، كنت أعلم أنه أوتيل مشهور، لكن لا أعلم ما كان ينتظرنا هناك. دخلنا إلى قاعة الحفل وكان جالسا على طاولة كبيرة فى مقدمة الصالة مع العديد من الفنانين المشهورين والمغمورين. رحب بنا بابتسامة كبرى وعرفنا بالجميع. وأنا فى غمرة فرحتى تطلعت على المسرح ووجدت دينا ترقص لم أصدق ما رأيت. كنت قد شاهدت مقابلة معها على سى إن إن وأعجبت بها وهى تتكلم الإنجليزية بطلاقة وكيف كانت تتكلم عن الرقص الشرقى وتقدمه بشكل مثقف. تذكرت أننى تحدثت عن هذه المقابلة فى جلستى الأولى مع فاروق الفيشاوى، فهو حقا لم ينس ذلك. بعد ذلك جاء مصور على ما أظن يعمل فى إحدى الصحف ففضل بكل أدب ألا يأخذ له صورا وهو شخص تعنيه راحة الآخرين أكثر من الشهرة، بل اعتبر أن هذه الجلسة وكأنها عائلية. وأنا مستمتعة، لا أصدق أننى مع كل هؤلاء الفنانين وفى القاهرة... سمعت صوتا قويا على المسرح. التفتت وإذا بالمطرب حكيم بدأ بالغناء وهو يحمل الميكروفون بعيدا جدا عن فمه. قلت سبحان الله ليس فقط لجمال صوته لكن لقوته. وكدت أصرخ وأقول: "أن أرى حكيم على المسرح هو شىء تمنيته قديما عندما استمعت إلى أغنية السلام عليكم لأول مرة. وقل فى نفسي:" أنا فى حلم ولا فى علم؟ فالمرحوم لم ينس كذلك اننى احب حكيم وعبرت عن ذلك من قبل ."وقلت فى نفسى ان هذه الرحلة هى حقا رحلة الأحلام. وكيف لنجم مثله أن يتذكر أمانى وأحلام الآخرين؟" لكن هكذا كان الفنان فاروق الفيشاوى ( كما أتذكره كصديق عزيز بعد ذلك)، إنه وفى غمرة انشغالاته لا ينسى أحدا. فى نهاية السهرة ونحن فى المصعد بدأ المعجبون يحومون حوله وحول الفنانين الآخرين، فبكل احترام احاطنا بذراعيه كنوع من الحماية. وبينما هو يهتم لحمايتنا رأيت كيف أن بعض الفنانين الآخرين كانوا مأخوذين بالمعجبات، أما هو فأبدى كم يعنيه فى هذه اللحظة راحة الآخرين على حسابه وليس الشهرة. ونحن نمشى رأينا ولدا صغيرا يبيع الجرائد على حافة الطريق. شعرت بالحزن تجاه هذا الولد الصغير. ربت المرحوم الفيشاوى على كتفي، فى محاولة منه للتخفيف عنى وقال: "دا اللى عارف عايز إيه من الحياة ودا اللى هيطلع منه.." تيقنت حينها انه ليس فقط إنسان لطيف وبيحس بأحزان الناس لكنه فيلسوفا كذلك، حيث تذكرت اننى كنت قد قرأت عن رجال عظماء وصلوا إلى ما وصلوا إليه بعد ما عملوا عملا كادحا فى طفولتهم فى إصرار منهم على النجاح، الآن وبعد كل تلك السنين أتذكر ما قاله لى عندما أرى الأطفال، أتذكره كل ما أرى فنان مغمور يتصرف بعنجهية وأقارن ذلك مع لطافة وتواضع نجم كالفيشاوي. أتذكره كلما تتحقق لى أمنية. وأقول كيف كان يهمه تحقيق أمانى الآخرين وإسعادهم كما فعل معى، مع مجرد معجبة من معجباته. رحلتى إلى مصر حينها كانت حقا رحلة الأحلام بفضل "ناسها الطيبة" كالمرحوم النجم فاروق الفيشاوى والمرحوم الاذاعى الكبير وجدى الحكيم. هؤلاء كانوا أفضل سفراء لبلدهم. ومش بس اللى بيشرب من نيلها يعود إليها، لكن اللى يتعرف على أهلها كمان! ومن يومها أصبح لمصر فى قلبى مكانة كبيرة وأعشق أهلها وعاداتها إلى الآن حتى وأنا بعيدة أسكن فى بلاد العم سام.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;