اقترن إنشاء وظهور الجامعات العريقة بالمدن التاريخية العريقة سواء فى منطقة الشرق الأوسط أو حتى لدى المجتمعات الغربية.
ففى قاهرة المعز تم وضع حجر الأساس لجامعة الأزهر فى عام 970 م، ثم تأسست الجامعة المصرية عام 1908 التى سميت فيما بعد بجامعة القاهرة.
وفى عاصمة مصر الثانية الإسكندرية تأسست جامعة الإسكندرية فى عهد الملك فاروق عام 1938م. وفى سوريا تأسست جامعة دمشق عام 1903م، ثم تم إنشاء جامعة حلب فى مدينة حلب التاريخية الأثرية عام 1946م.
وفى تركيا تعتبر جامعة اسطنبول هى الأقدم والأضخم والأعرق فى تركيا، حيث يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1453م مع فتح اسطنبول على أيدى الجيش العثمانى بقيادة السلطان محمد الثاني. وفى العراق تأسست جامعة البصرة سنة 1964م، وفى مدينة فاس بالمغرب تأسست جامعة القرويين هى ثانى أقدم جامعة تم إنشائها فى العالم بعد جامعة الزيتونة بتونس عام 859 م.
وفى مدينة أصفهان الإيرانية التى اختارتها اليونسكو كمدينة تراث إنسانى تأسست جامعة أصفهان عام 1946م.
كل هذا مؤداه إلى أن الجامعة هى عمود الخيمة للموروث الحضارى الإنساني، وهى أفضل وسيلة للتنمية المستدامة بقوتها الناعمة وبعلمائها.
كما أن إنشاء الجامعات فى نطاق مناطق التراث والحضارة البشرية هو أحد المسلمات منذ قديم الأزل التى لا تحتاج إلى تقديم براهين وأدلة على عظم أثرها فى تنمية والحفاظ على الموروثات الحضارية وعلى دورها التنويرى.
هذا وقد تبنت الدولة مؤخراً إنشاء جامعة لكل محافظة فى القطر المصرى. حتى شمل ذلك جميع محافظات الدلتا والوجه القبلى ومدن القناة ومحافظات الشمال، بل إن محافظة المنوفية فى جنوب دلتا النيل التى تبلغ مساحتها 2543 كم2 بها جامعتان (جامعة المنوفية وجامعة السادات).
حتى بعض المحافظات التى تشتهر بتردى البنية التحتية وتفشى الفقر وسوء الرعاية الصحية أنشأت بها جامعات مستقلة. وهذا فى حد ذاته خطوة على الطريق الصحيح نحو تنمية تلك المجتمعات وحل مشكلاتها وممارسة دور ريادى فى تنوير المجتمعات.
بل ووضع حجر أساس لإنشاء جامعات بمحافظات شمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر.
لكن ما يثير الدهشة والأسف والتعجب والحزن أن مدينة الأقصر التاريخية التى تبلغ مساحتها 2959.6 كم2 والتى تضم ثلث آثار العالم، ومخزن الحضارة المصرية القديمة، ففيها أكثر من 800 منطقة ومزاراً أثرياً تضم أروع ما ورثته مصر من تراث إنسانى حيث ظلت الأقصر (طيبة) عاصمة لمصر حتى بداية الأسرة السادسة الفرعونية، لا يوجد بها جامعة حتى الآن اللهم إلا كلية للفنون الجميلة تأسست فى أواخر التسعينات وأخرى للسياحة والفنادق تأسست فى 2008 تتبعان جامعة جنوب الوادى بقنا.
رغم أن قطار افتتاح واستقلال الجامعات مر بجميع مدن الصعيد بدءاً من جامعات بنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا.... ثم أدار ظهره للأقصر وتخطاها لينتهى بجامعة أسوان!
كيف لعاصمة العلم والتنوير فى الحضارة المصرية القديمة، وكيف لمن تعلم منها العالم الفنون والعمارة وعلوم الطب والفلك حتى الشعر والأدب لا يكون بها جامعة مستقلة تحمل هذا الاسم التاريخى العالمي؟ أليس خلق مكان تنويرى جاذب لمفكرى العالم والباحثين من كل حدب وصوب هو خير وسائل الترويج والتنشيط السياحى فى عاصمة السياحة والآثار بمصر؟ ألم تحيى الجامعات مدناً فقيرةً وهى رميم؟!... فلما بالنا بالأقصر رمز ومفتاح الحياة التى غبنت وغض الطرف عنها جهلاً وإهمالاً وعن عمد فى بعض الأحيان بحجة أن إنشاء جامعة يهدد أمن المدينة السياحية.
أقول للسيد الرئيس إن الأقصر مدينة الأجداد تنتظر منكم قبلة الحياة من خلال توجيهكم المباشر بإنشاء جامعة الأقصر لتكون منارة المعرفة والعلم فى جنوب مصر، ومقصداً للسياحة التعليمية، وراعية مخلصة لمناطق التراث الأثرى والحضارى. كما أن قراركم هذا سيكون تعويضاً لأهل الأقصر عما أصابهم من قرح وهم وحزن جراء انتكاس السياحة مؤخراً. كما أن التراخى فى هذا القرار هو جريمة كبرى وعار على الوطن لن تغفره لنا الأجيال المقبلة كما لم نغفره نحن لمن سبقونا وإن تعددت أسبابهم.
• كلية السياحة والفنادق بالأقصر - جامعة جنوب الوادى