ضم التدريب الصيفى التابع لإدارة التدريب وتطوير أساليب العمل بجامعة الدول العربية 157 شابا عربيا من 16 دولة عربية و26 جامعة عربية وأجنبية.
وأثر هذا المزيج العربى تأثيرا إيجابيا فى تبادل العلاقات الاجتماعية العربية بين المتدربين، وجعلنى أرى الثقافات العربية عن قرب، تعرفت على بعضهم منذ الأسبوع الأول التعريفي، ولكنى أطلعت على ثقافاتهم أكثر فى "اليوم الثقافي" للثقافات التراثية العربية.
فى هذا اليوم رأيت صورة مصغرة لكل دولة؛ نماذج من ثقافة الموسيقى والمطبخ والأمثال الشعبية والمقتنيات التراثية والشخصيات المؤثرة والزى الشعبي، فى ذاك اليوم رأيت الثقافة العربية فى عقر دارها "بيت العرب".
إضافة بأنى فى يوم تناغم الحاضر مع الموروث الثقافى والتاريخى اكتسبت المعرفة بطريقة سلسة دون عناء البحث فى الكتب أو على الإنترنت عن هذه الثقافات، فقد تحصلت على المعرفة التى تجعلنى أبحث عن أى دولة ببساطة لأصل لما أريد، هذا المعرض أعتبره كجولة سياحية عربية مصغرة.
وبالرغم من التنوع الهائل فى النماذج المعروضة، دائما كنت أجد رابط ولو بسيط بين كل هذه الدول، مثالا على ذلك ثقافة دول المغرب العربى كانت متشابهة جدا فى المطبخ والمقتنيات التراثية وفى أشياء عديدة، مثلا؛ فى موريتانيا يعدون الشاهى مثل الشاهى الليبى تماما، بكل سعادة كنت أحتسى معهم الشاهى وأتذوق طعم ذاك الذى فى بلادي، بينما فى تونس الكسكسى أيضا مثل الطريقة الليبية.
كنت أرى جيرانى فى يوم التراث العربى يقدمون عروض أوطانهم كأخوة يتشاركون أشياء متشابهة بينهم رابط خفى يجمعهم بالرغم من تنوعهم.
هذا التنوع والتناغم التراثى والثقافى أنتج صورة عربية موحدة مميزة وعزز علاقتنا بزملائنا المتدربين فى جامعة الدول العربية 2019، كالذى يقول بأن هناك "دم يجمعنا ولن نفترق".
علاوة على ذلك، من كل دولة فى الأغلب كان عدد المشاركين من ثلاثة إلى خمسة، كانوا يمثلون ثقافة أرضهم بكل إخلاص، ومن وطنى "ليبيا" كنا خمسة أفراد من طبرق وبنغازى ومصراتة والزاوية وطرابلس، كلٍّ منا كان يمثل جزء منفرد عن ليبيا، كلٍّ منا كان المرآة الكرستالية التى تعكس ثقافة مدينته التى تختلف عن الأخرى، اختلاف مرتبط بثقافة وتراث ليبيا العام، وهذا ما ميزنا، حيث هذا التنوع عزز معرفتهم عن تاريخ وحضارة ليبيا.
نحن اجتمعنا جميعا تحت مظلة السلام وهى مظلة وحدة الثقافة والتراث الليبي.
وبجانب ما استفاده المتدربين للتعرف عن قرب للمدن للدول المختلفة التى شاركت فى اليوم الثقافي، جمعنا العربى المختلف زودنا بثقافة الحوار البناء والتعايش السلمي؛ "لا اختلاف، لا تفرقة".
حقا هذا التدريب قربنا كثيرا من بعضنا البعض، أصبحنا نرى كل ممثل عن دولة كرمز مهم لدولته ومسئول أن يحمل هذه الرسالة بروح الإخاء والمحبة، فالذى بيننا وبين الدول الأخرى هى مجرد حدود مرسومة لن تغير طابع وحدة التراث الثقافى العربى المشترك.
تحت مظلة "بيت العرب" جامعة الدول العربية كنا واحد، لم نشعر يوما بفرق بيننا، فهذا التداخل الثقافى والاندماج بين الشباب العربى هو أساس لبداية وطن عربى متماسك الحدود فنحن نعم نستطيع أن نغير العالم من حولنا، وأقول هكذا لأنى شاهدت همة الكثير من الشباب المستعدين حقا للتضحية من أجل تحقيق ترابط وسلام الوطن العربي.
وفى الختام، الثقافة العربية هى أسلوب الحياة إجمالاً، أى هى مجموعة من القيم والعادات والتقاليد والمعارف الموروثة التى تميز أرضنا العربية عن غيرها، نحن بحاجة دائمة لهذه الفعاليات الشبابية فى هذا الوقت لأن حال ثقافتنا هو كحال الأراضى الفلسطينية المحتلّة فهى أيضاً تهددها مخاطر الاحتلال ونزع الهوية الأصيلة، ومن هنا تقتضى الإضاءة على دور الثقافة العربية فى الإغناء المعرفى من مخزونها التراثى الراسخ وتشابك الترابط، لأنه عندما يدركُ كُل عربى فى كافةِ أنحاء العالم هذه التحديات التى تواجه ثقافته، عندها من الممكن الوصول إلى حلٍ جذرى يساهمُ فى إعادةِ الثقافة العربية إلى مسارها والحفاظ عليها.