يعانى المجتمع المصرى منذ عقود طويلة من مشكلة كبيرة فى التعليم تنعكس على مستوى الخريجين العلمى والأخلاقى، والكل يعلم أن هناك مشكلة فى التعليم ومناهجه إلا أن غالبية من تولى مسئولية وزارة التربية والتعليم لم يضع يده على هذه المشكلة تحديداً ليحلها، فهو يعلم ان هناك مشكلة لكن لا يعلم ما هى !
وأغلب وزراء التربية والتعليم الذى تولوا هذه الحقيبة الخطيرة دائماً يسيرون على نفس النهج القديم بأن التطوير فى نظرهم يقتصر على زيادة عدد الفصول أو تغيير شكل أغلفة الكتب أو عمل كادر للمدرسين، والحقيقة أنها كلها حلول لا تقترب من المشكلة، وهى فى الأساس ليست حلولاً ولا تطويراً.
والحل بسيط أيها السادة، وهو أن نتنمذج من الدول التى كانت لديها نفس المشكلة وقامت بحلها أو بشكل آخر أن نقوم بتقليد الدول المتقدمة فى أساليب ومناهج التعليم.
فينبغى فى البداية أن ندرك أن التلميذ المصرى يتم اختباره فى قوة ذاكرته فقط، فطوال العام يقوم المدرسين بتعبئة رأسه بكم معلومات عشوائى ثم يدخل الامتحان يُفرغ هذا الكم، ويتم إعطاءه الشهادة بناء على ( كم ) العبارات التى قام بحفظها على مدار العام، وما أن يخرج من الامتحان إلا وينسى كل ما حفظه !
فى الدول المتقدمة يا سادة يكون الامتحان بنظام الكتاب المفتوح Open Book فيتم اختبار الطالب فى كيفية استخراج المعلومة بناء على ما فهمه، وليس على ما حفظه.
فيخرج الطالب فاهم وواعى لما درسه، ويعرف كيف يستفيد به فى حياته، على النقيض من عندنا أن أغلب الشعب المصرى لا يعلم حتى الان ما فائدة ( جا ) و( جتا )، و( ظا ) و( ظتا )، واللوغريتمات، والكثير من الدروس التى تم حفظها على مدار السنوات التعليمية، ونجحوا فيها بالفعل إلا أنهم لا يعلمون فيما تُستخدم.
إذن فالخطوة الأولى هى تغيير ( نهج ) التعليم وأسلوبه وطرق الاختبارات والهدف الأساسى من التعليم، ثم مراجعة ( مناهج ) التعليم بالكامل وجعلها تتسق مع عقل وفكر كل مرحلة تعليمية والمطلوب منهم فى هذه المرحلة.
كما يجب أن تُلغى كل الكتب الخارجية التى يضعها نفس المجموعة التى تضع الكتب المدرسية، فلمَ لا تكون الكتب المدرسية هى نفس الكتب الخارجية مما يخفف من أعباء الأسرة المصرية.
وفى البداية يجب إعادة النظر فى رواتب المدرسين بحيث تتسق مع المعدلات العالمية، مقابل منع وتجريم الدروس الخصوصية، فليس للمدرس أى حجة لإعطاء الدروس الخصوصية إذا تحسن راتبه وأصبح متماشياً مع الرواتب المتقدمة.
وإذا عملت الوزارة على إلغاء الكتب الخارجية، وإلغاء الدروس الخصوصية، مما يخفف كثيراً من الأعباء المادية على أولياء الأمور، مقابل ذلك لابد من إلغاء فكرة مجانية التعليم، بل وجعل المصاريف المدرسية لا تقل عن 1000 جنيه فى السنة، بما يسمح من دفع رواتب مجزية للمدرسين وتحسين الخدمات فى المدارس وصيانة المرافق باستمرار، وإذا كنت عزيزى المواطن تستكثر هذا المبلغ ( 1000 جنيه سنويا) فالحقيقة أنك تدفع أكثر منه بكثير للكتب الخارجية والدروس الخصوصية، التى ستوفرها لك الدولة بمنعها وتجريمها تماما.
كذلك لابد من عودة جميع الأنشطة الفنية من غناء وموسيقى ومسرح وتمثيل ورسم ونحت وشِعر، فمثل هذه الأنشطة تفتح مدارك الطفل وتجعله متفتح الذهن والعقل والقلب، يفهم معنى الحياة وأهميتها، وكيفية التعامل مع الحياة من صعوبات وتحديات.بالإضافة إلى عودة تعليم جميع الأنشطة المهنية من سباكة وكهرباء ونجارة ،، وخلافه.
وكذلك الأنشطة الزراعية وعودة المعامل والتجارب المدرسية، وكيفية تربية دود القز، وفطر عش الغراب، وما شابه
طبعاً مع الاطلاع والتعليم والتدريب على كل ما هو جديد فى عالم التكنولوجيا والانترنت، وكيفية عمل الأبحاث العلمية والبحث فى الشبكة العنكبوتية، وتشجيع كل مَن يبتكر جديداً.
وتعليم أكثر من لغة والخروج من دائرة أن اللغة الأجنبية هى الإنجليزية فقط أو على أقصى تقدير الفرنسية أيضاً، فلابد من إدخال أغلب اللغات فى المنظومة التعليمية.
وقبل كل ذلك لابد من الاهتمام بالتربية الدينية، وتعليم مبادئ الأديان السماوية وسماحتها، وكيفية المعاملة الصحيحة، وزرع الحب والمودة والخير والحق فى قلوب التلاميذ.
فى نفس الأثناء لابد من الاهتمام بالمبانى التعليمية، وطرق الوصول إليها، ونظافتها وجوها الصحى والنفسى، بما يجعل الطالب مُقبل على الذهاب للمدرسة لا أن يفر منها أو يستنفر.
فإن تحسن مستوى التعليم (الحكومى) سينعكس على مستوى التعليم الخاص، وبالإضافة لمكاسبه التى ستجنيها البلد من ميلاد خريجين (متعلمين بحق)، فإنه سيقضى أيضاً على مافيا المدارس الخاصة التى تمتص دم المواطنين بمصروفاتها الباهظة والتى لا رقيب على معدل غلاءها السنوى استغلالا لتدهور مستوى التعليم الحكومى.
فى النهاية أقول أنى لو كنت وزيراً للتعليم لاتخذت قراراً جريئاً ونسفت كل المنظومة القديمة، وبدأت بالخطوات المذكورة أعلاه، فمن المستحيل أن أحصل على نتيجة مختلفة وأنا أستخدم نفس الإجراءات القديمة.