"فوت علينا بكرة".. العبارة الأشهر التى ارتبطت بالجهاز الإدارى للدولة منذ صدور المرسوم الملكي، حتى وقتنا الحالى، فعلى مدى 65 عاماً من ضلوع طبقة الموظفين فى تقديم الخدمة العامة للجمهور، من استخراج الأوراق الثبوتية، وإنهاء أوراق السفر والإقامة ومنح الجنسية داخل البلاد، وحتى تسجيل براءة الاختراع، وإيجاز إقامة المشروعات، اتسم الجهاز الإدارى فى مصر بالبيروقراطية الشديدة التى أدت إلى تعطيل مصالح المواطنين، وزيادة الشكاوى ضد الجهاز الإدارى للدولة.
إن مشكلة الروتين فى المصالح الحكومية، والبيروقراطية فى الجهاز الإدارى للدولة، قضية قديمة ومعقدة ومتشابكة ولها أبعاد كثيرة، وفيها الكثير من الإجراءات المعقدة، التى تعطل سير العمل فى أجهزة الدولة المختلفة، والتى تعيق بالفعل عملية الإستثمار، نتيجة الكثير من المراحل التى يجب أن يمر بها المستثمر، وكذلك كثرة التعاملات الورقية فى اجهزة الدولة المختلفة، مما ترتب عليه وجود عمالة مكدسة فى المكاتب، بالرغم من أن الوظيفة نفسها, لا تستدعى هذا الكم من الموظفين لإنجازها, كما لا يوجد تنسيق بين الجهات الحكومية والوزارات المختلفة, لإنجاز الأعمال المشتركة بينهم مما يتسبب فى تعطيل الأعمال أيضا: وكذلك الأجهزة الحكومية, تفتقد لوجود إدارة موارد بشرية, أو رقابة على العاملين من أجهزة الدولة, فضلاً عن عدم محاسبتهم مادياً وفقاً لقدرتهم الإنتاجية, بالإضافة إلى سوء اختيارات القيادات, فالأمر متعلق بالأقدمية وليس بالكفاءة, كما أنه ليس هناك تخصص, أى لا يتم التعيين فى الوظيفة وفقاً لتخصصه فيها، بينما التعيين يتم بالتكليف، وربما "مجاملة". ومن المعروف أن تقدم الدول قائم على عاملين أساسين، هما التخصص وتقسيم العمل، ومصر تفتقد العنصرين، فلا يوجد من يعمل فى تخصصه، ولا يتم تقسيم العمل بالشكل الذى يجعل الفرد فى مكانه السليم للاستفادة منه.
إن مشكلة البيروقراطية فى مصر متشابكة بشكل كبير، مما يحتم وجود خطوات واضحة ومحددة لحلها, فالقضاء على البيروقراطية يستوجب وجود حكومة إلكترونية, أى أن تتم كل الخدمات الحكومية أو القدر الأكبر منها, بشكل إلكتروني, مع تخفيف التعامل بين الأفراد والتعامل مع الموظفين, إلى أقل حد ممكن, أما عن العمالة الذائدة التى تنتج عن هذة الميكنة, فيمكن تحويلهم إلى القطاعات التى تحتاج إلى عمالة, وإعطائهم دورات تدريبية فى مجالهم الجديد, إلى أنه يجب على الدولة تحديد أولوياتها وأهدافها, وهل ما إذا كانت تريد دفع الرواتب للموظفين كإعانة إجتماعية, أم أنها تريد أن تحذو حذو الدول المتقدمة وتصبح فى مصافهم.
جسدت السينما المصرية البيروقراطية فى العديد من المشاهد, أشهرهم فيلم"عسل أسود " عندما أراد الفنان أحمد حلمى الذى كان يدعى "المصرى"فى الفيلم, إستخراج شهادة للرقم القومي, فذهب إلى السجل ووقف فى الطابور عدة مرات لكى لا يدفع رشوة للموظف, فقام الموظف بتأخيره ومعاملتة معاملة سيئه, وإرساله إلى عدة جهات مجهولة وروتينية, لكى يقف فى عدة طوابير طويلة ومرهقة, للضغط علية بشكل أو بأخر لكى يشترك معه فى عملية الرشوة لاستخلاص أوراقة,... من منا تعرض لهذا الموقف مرات عدة؟! من منا عانى بسبب كثرة الأوراق الروتينية والإجراءات التى ربما نقول تعجيزية بسبب جمود فكر الأشخاص الموظفين؟! من منا تسببت البيروقراطية فى ضياع وإهدار وقته وتسببت له فى الكسل عن المشى فى إجراءات مشروع ما؟! بما أن معظمنا شرب من نفس الكأس, فيجب أن نقف مكتوفى الأيدى للقضاء على هذه الظاهرة المريضة ...عاشت مصرنا الحبيبة.