القارئ مصطفى العوامى يكتب: قتلنى أبي

إن الزواج سنة الله فى أرضه ، وهو الوثيقة الإلهية المبرمة بين عباده ، وهو عقد اجتماعى توافقى ؛ يقدس حياة قائمة على الكرامة والاحترام ، ومن خلاله تنبت أزهار الورود التى تنتشر فى بساتين المجتمع ؛ حتى تصبح خير خلف لخير سلف . الفتايات منذ نعومة أظافرهن تبحث أرواحهن عن سكن لهن ، ويتعلقن بآبائهن أن كانوا أولو رحمة وحنان بهن ، وكما أثبت علماء النفس أنهن يحتجن احتواء متنوع ومتكامل وذلك منذ الصغر ، فتلعب البنات مع الأولاد نظرا للتكامل الجينى الهرمونى وإن كان الولد أخوها فهى تحتاج لذلك . آنذاك يكون الأب ساكبا عليها كل ما عنده من حنان وحب ورحمة ( وهذا أمر طبيعى وواجب ). ثم تكبر البنت وتبحث فى داخلها عن شخص يناسبها فكريا وإن لم تقابله أو تتعرف عليه بعد . تكبر الفتاة قليلا فربما تتلاقى الأرواح وتندرج الأمانى تحت العواطف ، وفى الثانوية العامة تتاح الفرصة أكبر من ذى قبل ويأتى الحلم بفارس الأحلام ، والأمانى المفقودة ، وتكثر أحلام اليقظة ، وإن لم ، ففى المرحلة الجامعية وهناك تفتح كل الأبواب وتتاح جميع الفرص ، حتى تقابل ذلك الحلم ، فيهواها وتهواه ، وينسج الحب خيوطة ، ويتغلغل الفؤاد ، وتتكبل المشاعر ، فهو لا يأكل ، شارد الذهن ، دائما يفكر ، سيء المزاج ، متهور فى رد الفعل ، وأما هى ترفض كل من يتقدم لخطبتها ، دائما تبكى ، حزينة كئيبة ، لا تهنأ بنوم ولا طعام . فيذهب هذا المتيم للقاء أبيها ، فيرفضه أبوها نظرا لحالته المادية المبتدئة الجديدة ، وصعوبة تكيفه مع تلك الحياة التى يرنو إليها كل من أراد الاستقرار ، ناكرا هذا الأب وصية الرسول الكريم - صل الله عليه وسلم - وقد أوصى بها كل ولى أمر " إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ". ولم يقل النبى -ص- من ترضون ماله أو عمله أو أهله أو بيته ؛ ولكن اقتصر على الدين والخلق ، وذلك الشاب الذى ذهب لأب هذه الفتاة إنما هو جاد فى مسألته ولا يريد غير الخير وأتى البيوت من أبوابها وليس من ظهورها ، وهذا يكفيه تدينا وخلقا ، فما كان من أبيها إﻻ أنه رفض رفضا باتا ؛ مفكرا فى منظره أمام الناس ، زاعما أنه سيختار لإبنته الأفضل ، ومن يعمل على سعادتها ، ومن يناسبها من علية القوم . وفى الأغلب يكون المتقدم من نفس المستوى العلمى لحبيبته والاجتماعى أيضا ولا تتفضل عليه بشيء ، ويمكن أن يكون الولد ماديا أفضل من حالة أبيها ، ولكن الأب يجعل ابنته سلعة لمن يدفع ومن يستحق ومن يقدر . فيفرض ذلك الأب بين هذين الحبيبين إلا أنهما يكونا على تواصل دائم ، وهنا يحدث العجب العجب فمن البنات من تهرب مغ حبيبها ، ومن ترفض الزواج إلى أن يصير إجبارا ، ومن تقطع شراينها ، ويحدث الكثير من المهاذل والسبب معروف ومعلوم ، أما أن كانت الفتاة قليلة الحيلة تصبر وتوافق أبيها على ما يفرضه عليها ، ولكنها لا تزال على علاقة بحبيبها ، وهو لا يزال متعلق بها. فيزوجها لرجل لديه الكثير من المال وفى عمل جيد وعنده ما يجعله لا يرفض أبدا ، وفى الأغلب يكون ذلك الرجل قد أحب فتاة فى دراسته ولكنه رفض لنفس السبب ، فقرر أن يسافر ويلعن الفقر ويقضى على أى سبب حرمه من حبيبته ، فيجمع المال من هنا وهناك ويعود ليتزوج زواجا تقليديا ، ولكنه لم يعرف أن زوجته قلبها معلق بغيره ، ولا يدرى هذا المسكين أن زوجته لا زالت تتواصل مع حبيبها الأول ، كما فعل هو مع حبيبته أثناء زواجها من رجل آخر . تستطيع المرأة أن تلبس ثوب السعادة والمتعة وهى خالية الفؤاد مقتولة القلب ، وتستطيع أن تجعل زوجها سعيدا وهى حزينة مكسورة ولا يظهر ذلك أبدا عليها ، ومن الممكن أن تسمى ابنها باسم حبيبها الأول ، أو اسم كانا قد اتفقا أن أنجبنا ولدا سنسميه كذا فتفى هى بوعدها لتذكر حبيبها كل أن ، وتعيش مع زوجها و حبيبها فى أن واحد تحظى بالمهاتفات والمقابلات الغرامية وجيدة مع زوجها ، وقد تعيش مع زوجها فى حالة من التأفف والملل نظرا أنها تقبلته ما فوق طاقتها وليس لها طاقة لتقبله أكثر من ذلك فتختلق المشاكل ، وكل يومين غضبانة فى بيت أهلها ، إلى أن تصل إلى الطلاق ، وكل هذا وهى مع حبيبها لحظة بلحظة . كثير من الرجال يشكون من زوجاتهم أنهن يصطنعن مشكلات لا وجود لها ، وشجارات على أتفه الأسباب ، ويكون السبب كما ذكرنا أملا فى اللقاء الشرعى أمام العالم بحبيبها الأول ، وإن لم يتيح لها العالم هذه الفرصة ، يكون اللقاء متخفيا متكررا مسترقا متحديا كل جنابات الكون . إن هذا الكلام للأسف هو واقع بين الناس وقائم فيهم ولكن الله ستير على عباده ، فكثير من المهندسين والأطباء الكبار وأساتذة الجامعات وقعوا فى هذا المأزق ، ووقعوا فى حرمة أعراض غيرهم ، بدعوى أن الحب الأول لا ينسى لا يستبعد ، وقد يصل الحال بهم إلى الوقوع فى الرذيلة مع من يحبون ، فكما تلاقت الأرواح بعد سنين كثيرة لابد من وجهتم أن تتلاقى الأجساد ، فلو وافق هذا الأب من البداية لمنع مرض تفشى فى أمتنا ولفاز كل بحبيبه وقتها يحصن المحب والمحبوب ، ويقضى الآباء على مشكلة جسيمة أكلت أعراض الناس . فلو منح الأب ابنته ما تريد لما جعلها تخسر نفسها ، وتندب حظها ، وتشعر الخيانة ، وعدم أحقية الحياة ، وتمنى ما كانت تريده من أبيها ، وهو أن يوفر لها الأمان النفسى والاجتماعى ، وكذلك احترامها لنفسها أمام أسرتها وزوجها ، ولكنها فى كل ليل تنام باكية بدمائها ، قائلة بدموع فؤادها " أبى قتلنى".



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;