إن الزواج سنة الله فى أرضه ، وهو الوثيقة الإلهية المبرمة بين عباده ، وهو عقد اجتماعى توافقى ؛ يقدس حياة قائمة على الكرامة والاحترام ، ومن خلاله تنبت أزهار الورود التى تنتشر فى بساتين المجتمع ؛ حتى تصبح خير خلف لخير سلف .
الفتايات منذ نعومة أظافرهن تبحث أرواحهن عن سكن لهن ، ويتعلقن بآبائهن أن كانوا أولو رحمة وحنان بهن ، وكما أثبت علماء النفس أنهن يحتجن احتواء متنوع ومتكامل وذلك منذ الصغر ، فتلعب البنات مع الأولاد نظرا للتكامل الجينى الهرمونى وإن كان الولد أخوها فهى تحتاج لذلك .
آنذاك يكون الأب ساكبا عليها كل ما عنده من حنان وحب ورحمة ( وهذا أمر طبيعى وواجب ).
ثم تكبر البنت وتبحث فى داخلها عن شخص يناسبها فكريا وإن لم تقابله أو تتعرف عليه بعد .
تكبر الفتاة قليلا فربما تتلاقى الأرواح وتندرج الأمانى تحت العواطف ، وفى الثانوية العامة تتاح الفرصة أكبر من ذى قبل ويأتى الحلم بفارس الأحلام ، والأمانى المفقودة ، وتكثر أحلام اليقظة ، وإن لم ، ففى المرحلة الجامعية وهناك تفتح كل الأبواب وتتاح جميع الفرص ، حتى تقابل ذلك الحلم ، فيهواها وتهواه ، وينسج الحب خيوطة ، ويتغلغل الفؤاد ، وتتكبل المشاعر ، فهو لا يأكل ، شارد الذهن ، دائما يفكر ، سيء المزاج ، متهور فى رد الفعل ، وأما هى ترفض كل من يتقدم لخطبتها ، دائما تبكى ، حزينة كئيبة ، لا تهنأ بنوم ولا طعام .
فيذهب هذا المتيم للقاء أبيها ، فيرفضه أبوها نظرا لحالته المادية المبتدئة الجديدة ، وصعوبة تكيفه مع تلك الحياة التى يرنو إليها كل من أراد الاستقرار ، ناكرا هذا الأب وصية الرسول الكريم - صل الله عليه وسلم - وقد أوصى بها كل ولى أمر " إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ".
ولم يقل النبى -ص- من ترضون ماله أو عمله أو أهله أو بيته ؛ ولكن اقتصر على الدين والخلق ، وذلك الشاب الذى ذهب لأب هذه الفتاة إنما هو جاد فى مسألته ولا يريد غير الخير وأتى البيوت من أبوابها وليس من ظهورها ، وهذا يكفيه تدينا وخلقا ،
فما كان من أبيها إﻻ أنه رفض رفضا باتا ؛ مفكرا فى منظره أمام الناس ، زاعما أنه سيختار لإبنته الأفضل ، ومن يعمل على سعادتها ، ومن يناسبها من علية القوم .
وفى الأغلب يكون المتقدم من نفس المستوى العلمى لحبيبته والاجتماعى أيضا ولا تتفضل عليه بشيء ، ويمكن أن يكون الولد ماديا أفضل من حالة أبيها ، ولكن الأب يجعل ابنته سلعة لمن يدفع ومن يستحق ومن يقدر .
فيفرض ذلك الأب بين هذين الحبيبين إلا أنهما يكونا على تواصل دائم ، وهنا يحدث العجب العجب
فمن البنات من تهرب مغ حبيبها ، ومن ترفض الزواج إلى أن يصير إجبارا ، ومن تقطع شراينها ، ويحدث الكثير من المهاذل والسبب معروف ومعلوم ، أما أن كانت الفتاة قليلة الحيلة تصبر وتوافق أبيها على ما يفرضه عليها ، ولكنها لا تزال على علاقة بحبيبها ، وهو لا يزال متعلق بها.
فيزوجها لرجل لديه الكثير من المال وفى عمل جيد وعنده ما يجعله لا يرفض أبدا ، وفى الأغلب يكون ذلك الرجل قد أحب فتاة فى دراسته ولكنه رفض لنفس السبب ، فقرر أن يسافر ويلعن الفقر ويقضى على أى سبب حرمه من حبيبته ، فيجمع المال من هنا وهناك ويعود ليتزوج زواجا تقليديا ، ولكنه لم يعرف أن زوجته قلبها معلق بغيره ، ولا يدرى هذا المسكين أن زوجته لا زالت تتواصل مع حبيبها الأول ، كما فعل هو مع حبيبته أثناء زواجها من رجل آخر .
تستطيع المرأة أن تلبس ثوب السعادة والمتعة وهى خالية الفؤاد مقتولة القلب ، وتستطيع أن تجعل زوجها سعيدا وهى حزينة مكسورة ولا يظهر ذلك أبدا عليها ، ومن الممكن أن تسمى ابنها باسم حبيبها الأول ، أو اسم كانا قد اتفقا أن أنجبنا ولدا سنسميه كذا فتفى هى بوعدها لتذكر حبيبها كل أن ،
وتعيش مع زوجها و حبيبها فى أن واحد تحظى بالمهاتفات والمقابلات الغرامية وجيدة مع زوجها ، وقد تعيش مع زوجها فى حالة من التأفف والملل نظرا أنها تقبلته ما فوق طاقتها وليس لها طاقة لتقبله أكثر من ذلك فتختلق المشاكل ، وكل يومين غضبانة فى بيت أهلها ، إلى أن تصل إلى الطلاق ، وكل هذا وهى مع حبيبها لحظة بلحظة .
كثير من الرجال يشكون من زوجاتهم أنهن يصطنعن مشكلات لا وجود لها ، وشجارات على أتفه الأسباب ، ويكون السبب كما ذكرنا أملا فى اللقاء الشرعى أمام العالم بحبيبها الأول ، وإن لم يتيح لها العالم هذه الفرصة ، يكون اللقاء متخفيا متكررا مسترقا متحديا كل جنابات الكون .
إن هذا الكلام للأسف هو واقع بين الناس وقائم فيهم ولكن الله ستير على عباده ، فكثير من المهندسين والأطباء الكبار وأساتذة الجامعات وقعوا فى هذا المأزق ، ووقعوا فى حرمة أعراض غيرهم ، بدعوى أن الحب الأول لا ينسى لا يستبعد ، وقد يصل الحال بهم إلى الوقوع فى الرذيلة مع من يحبون ، فكما تلاقت الأرواح بعد سنين كثيرة لابد من وجهتم أن تتلاقى الأجساد ، فلو وافق هذا الأب من البداية لمنع مرض تفشى فى أمتنا ولفاز كل بحبيبه وقتها يحصن المحب والمحبوب ، ويقضى الآباء على مشكلة جسيمة أكلت أعراض الناس .
فلو منح الأب ابنته ما تريد لما جعلها تخسر نفسها ، وتندب حظها ، وتشعر الخيانة ، وعدم أحقية الحياة ، وتمنى ما كانت تريده من أبيها ، وهو أن يوفر لها الأمان النفسى والاجتماعى ، وكذلك احترامها لنفسها أمام أسرتها وزوجها ، ولكنها فى كل ليل تنام باكية بدمائها ، قائلة بدموع فؤادها " أبى قتلنى".