- خُيِّرْتُ بين جنتين؛ جنة الدنيا وجنة الآخرة، فاخترتُ الأولى بمحض إرادتى، عشتُ أكثر من عشرين سنة فى الوحل، عشتُ عمراً من اللذة فى خِضَمِّ الخطيئة، اتخذتُ الشيطان ولياً، بل معلماً، بل كان إلها، وكنت عبداً له؛ أرتلُ له الصلوات بين نهود الغوانى.
كنت أركعُ له فقط، كان الكذب منهاجى، كانت النذالة صديقتى، سَفَكْتُ دماء أبرياء كثر، كنت أشعرُ بنشوة وأنا أحرِمهم من الحياة بسادية، كنت أستمتعُ بآلامهم وبغرغراتهم ... شعور ليس له مثيل؛ حينما تشاهدُ إنساناً يودع الحياة رغماً عنه وأظافره منغرسة بوجهك تتسول منك مهلة أخيرة، ونظراته العاجزة تتوسل منك الرحمة، ورغم ذلك، لم ترتجف لى فريصة.
لم أتزوج، لم أعرف للاستقرار طريقا، كان عدوى الوحيد الأوحد هو الحب؛ فمعلوم لى أن الحب مرض يُضعف القلوب!... أعرف أنك مشمئز متقزز متأفف، بل أعرف أنك ترتعدُ خوفاً منى، وأعرفُ أنك تخيلت مصيرى بالآخرة، وربما اقشعَّر بدنك من هول مصيري، أرى العرق المتصبب من جبينك، ألاحظ جفاف حلقك، وهروب رضابك، ولكن....