عن حرفة السائق ومهنة دكتور العيون أتحدث. فى المستقبل القريب لن نجد هذه الحرفة وتلك المهنة بيننا. وأعنى أن عدد السائقين ودكاترة العيون سينخفض بنسبة 10% من العدد الحالى فى غضون 10 سنوات.
سمعنا قبلا عن حرف انقرضت. مثل مبيض النحاس والغسالات فى المنازل والأرجوزات فى الشوارع وغيرها. وقلما سمعنا عن انقراض مهنة كطب العيون. وانقراض الحرف كان يأتى بمقدمات ويأخذ وقتا طويلا بين انقراض الحرفة فى الدول المتقدمة ثم بداية أعراض الانقراض عندنا حتى نصدم بانقراض الحرفة تماما.
أما اليوم فأتكلم عن انقراض حرفة السائق فى أقل من عشر سنوات فى العالم أجمع. وعن انقراض طب العيون فى العالم فى أقل من خمس سنوات.
فكما نعلم أو كما نستطيع أن نعلم إذا بحثنا قليلا، فإن المركبات ستصبح ذاتية القيادة فى السنوات القليلة القادمة. وأن التقدم فى الواقع الافتراضى - Virtual reality- سيتيح التشخيص الفورى للعين بدون الحاجة للطبيب. فتخيل معى تلك الكاميرا المثبتة فوق جهاز الواقع الافتراضى وهى تعرض لكل عين صور مختلفة تحدد بدقة حاجتك للنضارة. بالتأكيد ستقل حاجتنا كثيرا لطبيب العيون. وسنستعين به لإجراء العمليات فقط.
وهناك مهن آخرى كان يجب أن تنقرض ولكننا نحافظ عليها عن طريق قوانين تحميها مثل مهنة الصيدلى. فهل نحن بحاجة فعلا لهذا الكم من الصيادلة ؟ وبعكس الصيدلة فلن تجد مهنة طب العيون الوسائل التى تحميها وتؤجل انقراضها.
أرجو ألا تعتبرنى متفائلا أو متشائما أو أننى بدون قلب. أو أن تعتبر أن رأيى أننا لسنا بحاجة لتلك المهن والحرف. إنى فقط أحاول أن أكتب تصورى لما سنراه مستقبلا لنستعد له. والاستعداد لا يعنى محاربته. فقد تنفع الحرب أحيانا وينتصر الزمن أغلب الوقت.
وما هذا إلا مقدمات ستجتاح حرف ومهن أخرى. ولذا علينا أن نعيد التفكير فى كثير من آرائنا ومعتقداتنا. وسبق أن كتبت عن: "من التعليم للتعلم"، "التاريخ المؤثر والتاريخ المهم"، "التخلف الزمنى" وغيرها. وكل هذا يصب فى محاولات استشفاف المستقبل. وسأواصل الكتابة ليس فقط لمحاولة استشفاف المستقبل وإنما أيضا لطرح أفكار قد تساعدنا لهذا المستقبل الذى أراه مختلفا تماما عن الماضى. لا أعرف إن كان أفضل أو أسوأ من الماضى ولكنه مختلف كثيرا عنه.