كثير ما ترتبط الأماكن لدينا بالمشاعر، سواء كانت مشاعر إيجابية، أو سلبية، وعادة ما يعود سبب ذلك الارتباط، إلى الذكرى التى تحملها تلك الأماكن بين أركانها، لتبقى دائما راسخة بأذهاننا، وتجعلنا إما أن نشتاق إلى حيث تركناها، أو نتجنبها هاربين منها، ومما قد يلحق بنا من ألم أو حنين إثر مواجهتنا لها.
ولكنى لم أجد مكانا تختلط به المشاعر بقدر ما تفعل بى ساحات المطارات، ذلك المكان الذى لطالما اعتقدت، أنه يرتبط بأجمل وأسوأ المشاعر، بنفس القدر وعلى حد سواء، فمعظم قاصدى المطارات غالبا ما يسيطر عليهم القلق والتوتر، منهم من تمر عليه لحظات الانتظار ثقيلة، بينما هم يقفون بأنفاس متلاحقة، وقلوب مضطربة أنهكها الانتظار، شوقا للأحباب، الذين سرعان ما تتسع الأذرع لتحتويهم، وتذرف العين دمعا، فرحا ولهفة للقاء، ومنهم من ينفطر قلبه جزعا على فراق أحدهم، بينما تمر عليه لحظات الوداع سريعة، خاطفة، ليرحل دون أن تمتلئ عيناه بأحبابه، لتذرف دمعها أيضا، ولكن ألما على فراق لتوّه قد بدأ، وما من أحد يعلم متى منتهاه.
منهم من يقفز قلبه متحمسا لنزهة استثنائية، تاركا العنان لخياله عما ستحمله له المغامرة المنتظرة، من أشخاص سيلتقى بهم، وحكايات سيعود محملا بها، ومنهم من يرحل باحثا عن رزقه، تاركا خلفه، كل ما لديه، سائرا فى اتجاه المجهول، متسائلا إن كان سيظل على حاله، وكما عهده الجميع، أم ستظل سنوات الغربة تغير من روحه، ثم يمتد التغيير إلى ملامحه، ويظل هكذا حتى يأتى اليوم الذى يقف به أمام المرآة ليجد نفسه لم يصبح غريبا عن الآخرين فحسب، بل أصبح غريبا عن نفسه أيضا.
منهم من يتردد على المطارات ذهابا و إيابا، حتى أصبحت حياته عبارة عن ترانزيت لا ينتهى أبدا، وأصبح هو يألف ساحات المطارات، تماما كما يألف بيته، يترك كل بلد يقصده أثره عليه، ليحل محل جزءا من روحه قد تركه هناك، لكنه ليس لديه متسع من الوقت ليفكر فى ما ترك خلفه، أو ما بفتقد، فوقته غالى كالذهب، و منهم من يقف يراقب كل هؤلاء مثلى تماما، يرى ملامح الوجوه المرتبكة، و يستمع إلى النداءات التى يتحمس لها البعض، و ينقبض لها الآخرون، و يتأكد شعوره بأن بالمطارات قصص و حكايات لا تنتهى أبدا، فى المطارات تبدأ و تنتهى كل الأحلام.