المؤامرة كانت منذ الأزل، بل قبل أن يخلق الإنسان. أول مؤامرة فى التاريخ كانت هى مؤامرة إبليس اللعين على آدم، حين أغواه ليخرجه من الجنة. وتوالت المؤامرات منذ ذلك الحين، وستستمر طالما حيينا حتى يأتى إبليس لعين جديد هذه المرة ليخرجنا من الدنيا.
فى اللغة اللاتينية يحمل مصطلح المؤامرة نفس تسمية مصطلح الحبكة الأدبية، بقصد التأثير والتشويق والفرضية وإطلاق الملكات والخيال. وتعتمد نظرية المؤامرة دائما بجانب إشاعة الأكاذيب، إلى مزاعم وقوف جهات وأيدى خفية وقوى ظلامية وراءها وهو ما يزيد من الإثارة والتشوق.
عادة ما تجىء المؤامرة لتحبك وتحيك خيوطها من ما نسميهم الأشرار، ضد كل ما هو إنسانى لأغراض مختلفة ولإشاعة الفوضى والفتن وإذكاء الحروب والانحلال الخلقى والدينى.
المؤامرة تعيش فينا وبيننا سرا أو علانية فى كل مكان وزمان. فالشرق يدعى أن الغرب هم الأشرار الذين يدبرون المؤامرات الكونية ليلا نهارا ضدهم للاستحواذ على مصادرهم الطبيعية والسيطرة، وما إلى ذلك. والغرب يدعى أن التطرفات الدينية فى الشرق والنازية فى الغرب تدبر المؤامرات ليلا نهارا ضد التمدين والتحضر والديمقراطية والمساواة، وما إلى ذلك، والحقيقة أن ما يحث ليس إلا صراع للإبقاء على المصالح.
أكثر ما يدمر ويهدد من فكر المؤامرة هو الفزع والتهويل منها فى فترة انتظار وقوعها، هذا إن وقعت بالفعل، حيث إن معظم المؤامرات هى إشاعات كاذبة بقصد الزعزعة، ولا يتحقق منها إلا القليل.
إن متاهات الفكر التآمرى والفزع منه عندما يصبح طريقة للتفكير وثقافة فكرية، وعندما يستحوذ على الملكات والخيال، وعندما يستغل من الإعلام ووسائل التواصل، كما يحدث الآن فى بعض الدول، يصبح كافيا لإنهاك اقتصاد وسياسات وأخلاقيات أى دولة تستمرأ فكر المؤامرة.
لقد استطاعت معظم دول امريكا اللاتينية فى القرن الماضى بإرادة شعوبها أن تتغلب على معظم المؤامرات التى جهزت لها، واستطاعت مؤخرا ثورات الربيع العربى وبإرادة شعوبها أيضا أن تقوض معظم هذه المؤامرات.
بالطبع وفى ظل هيمنة الحركة الصهيونية وسيطرة رجال المال، لابد من الاعتراف بوجود المؤامرة، ولابد من الاستعداد لها، بل عمل مؤامرات مضادة لإفشالها أو التقليل منها، وهكذا. ولكن بدون المبالغة والتهويل والهلع والانفزاع والاستغلال.
العديد من الكتب روجت عن دور وخطورة المؤامرة الكونية، والحكومات الخفية، والدسائس والمكائد، منذ كتاب ” اليد الخفية ” لآدم سميث لسنة 1776، وحتى”تقرير لوجان” لسنة 1997.
سنأخذ على سبيل المثال كتاب “تقرير لوجان” بعنوان “الحفاظ على الرأسمالية العالمية فى القرن 21 ” لسوزان جورج لسنة 1997، والذى ترجم إلى العربية تحت *عنوان “مؤامرة الغرب الكبرى .