عدم التقدير السليم للزواج ومسئولياته من قبل الطرفين تجعل المأساة كبيرة وسريعة جداً فى أحداثها وحجمها، وهذا للأسف ما تعانى منه المجتمعات العربية عموما والمجتمع المصرى بصفة خاصة، فلو نظرنا لبعض الأرقام الصادرة عن المركز القومى المصرى للتعبئة العامة والإحصاء لوجدناها صادمة ولا تعبر بأى حال من الأحوال عن التدين الذى يدعيه البعض فى سلوكياتهم.
فطبقاً لتقرير صادر عن المجلس القومى للتعبئة العامة والإحصاء فإن عدد حالات الطلاق فى مصر فى 2018 فقط كان 211 ألفاً 521 حالة مقارنة بعدد 198 ألفاً 269 حالة فى عام 2017 وذلك بمعدل زيادة تتخطى نسبة الـ 6%، ففى مصر فقط هناك 24 حالة طلاق تحدث فى كل ساعة أى 576 حالة طلاق كل يوم.
وفى لقاءٍ متلفز لمفتى الديار المصرية قال فيه إن ما لا يقل عن 4200 سؤال عن الطلاق فقط تصل دار الإفتاء شهريا وهذا الرقم يشير إلى ارتفاع نسبة الطلاق فى المجتمع المصرى بشكل مخيف.
يالها من أرقامٌ مفجعة وصادمة، أود أن ألفت نظرك أخى القارئ أنه مع كل حالة طلاق هناك بيت يُخربْ وفتاةٌ كانت تحمل أحلامَها على كفها أخذت لقب مُطلقة بالمجان فى مجتمعٍ ينظر للمطلقة على أنها سلعة رخيصة سهل الحصول عليها .. وربما هناك أطفالٌ لن يجدوا مكاناً مستقراً ليعيشوا فيه طفولتهم ولينعموا بحق التربية فتارةً عند أمهم وتارةً عند أبيهم وأخرى عند جداتهم أو أحد أقاربهم والأسوأُ من كل ذلك أن يعيشوا مضطرين مع زوجةِ أبٍ ظالمة لا تراعى حقهم أو أن يعيشوا مع زوجِ أمٍ ضال لا يراهم سوى عبءٌ عليه ويجب التخلص منهم ناهيك عن بعض الناس ذوِى الفطرة المنتكسة الذين ينظرون لأطفال زوجاتهم بنظرةٍ كتلك التى ينظرونها لزوجاتهم.
كلٌ هذه الأشياء تنتجُ لنا جيلاً فاقداً للأهلية، ترى معظمَهم بعد حينٍ يسكنون الشوارع وأسفل الكبارى، يتسولون لقمةَ العيش ويكونوا فى النهاية فريسةً سهلة ولقمةً سائغة لعصابات الإتِّجار فى البشر والسرقة والمخدرات والتسول وربما وقعوا فريسةً للمحتل الغاصب الذى يحتلٌ العقول الفارغة قبل الأوطان ويغسلُ الأدمغة بأفكارِه المتطرفة حتى يحصل على أناسٍ يتحكمُ فيهم بسهولة كما يتحكمُ بلعبةٍ صغيرة لها زنبرك ويحركهم كما يحرك الطفلُ عروسته اللعبة .. فيجعلهم يقتلون ويفجرون ويحرقون ويذبحون وبعد كل هذا يصيحون بأعلى صوت مرددين الله أكبر.. هذا فعلا لغمٌ سوف ينفجرُ فى وجه المجتمع كله عاجلاً أو أجلاً وإن كانت بوادرُه قد ظهرت بالفعل فى زيادة عدد المشردين والمتسولين.. فى كثرة أعمال السرقة والنصب والنهب.. وفى أعمال البلطجة التى إنتشرت فى ربوع الوطن.
وهذا يقودُنا إلى عدة أسئلة تتبادر فى ذهن المتلقى .. ما هى الأسباب التى تقفُ وراء هذه النسبة العالية جداً من حالات الطلاق ؟ ومن المسئولُ عن كل هذا العبث الذى يحدثُ فى مجتمعاتنا؟... ومن لهؤلاءِ الأطفال الذين ينتظرهم مستقبلٌ قاتم ؟ .. من لهم ينقذهم من هذا الأبِ المستهتر.. ومن هذه الأمِّ الضائعة؟ ... من لهم يمسح دموعَهم ويجبرُ كسرَ قلوبِهم ويعوضهم عن أهلٍ ظلموهم ومستمرين فى ظلمهم بكل الأنواع وهم يحسبون أنهم يحققونَ لهم المنافع ؟...
هل السبب فى كل هذه المآسى هو الجهل والفقر ؟ ..وأنا لا أقصدُ على الإطلاق جهلَ التعليم والفقرَ المادِّى ولكن أقصدُ جهلَ الدين وجهلَ الثقافة وفقرَ المبادئ .. .
ذلك الجهلُ الذى لا يجعلنا نتقبلُ الأخر حتى وإن كان أقرب الأقربين لمجردِ اختلافنا معه.. ذلك الجهل الذى يعمى أعيننا عن رؤية الحق ويجعلنا أفقر ما نكون لثقافة الإعتذار.. ماذا يضير أحدهم أن يعتذر إذا أخطأ .. هل سيأكل الناسه وجهه كما نقول أم هل سيفقد مصداقيته بين الناس.. بالعكس سوف تزدادُ قيمتُه ويكبرُ فى عيونِ من راه يعتذر.
هىَ مسؤلية الجميع... مسؤلية الأفراد والأسرة والمجتمع والدولة .. يجبُ على الجميع أن يقوموا بمسئولياتهم تِجاهَ هذه الظاهرة المرعبة حتى نتجنبَ كوارثَ تَبِعَاتِها .. فلو أن كل منا قام بمسئولياته لما وصلنا إلى هذه الهاوية فكلٌّنا راعٍ وكلنا مسؤلٌ عن رعيته.