صابر حسين خليل يكتب: الطابور

فى لحظة عندما تفقد إنسانيتك، إحساسك بأنك كائن يستحق الاحترام ، عندما يذلك الانتظار، عندما تتعلق عيناك بشباك يقدم سلعة أو خدمة وتطوق نفسك للوصول له ولمس هذا الشباك ، عندما تخاف من غضب الموظف القابع خلفه وإغلاقه لهذا الشباك، عندها تدرك بأنك تقف فى طابور .. فى وقوفك تفقد احترامك لنفسك ، ولهذه الإدارة .

فى الطابور تقام الصداقات بين رواده ، فى الطابور يتعارك البشر ، فى الطابور تبكى المرأة والكهل .. فى الطابور ربما يموت شخص أو يولد شخص ، فى الطابور نغضب نثور نلعن كل من كان سبب فى هذا الطابور .

وفى الطابور يطلق الرجل زوجته ، وآخر يختار زوجته . فى الطابور تعيش دولة داخل الدولة ، هناك من يلتزم بقانون الطابور .. وآخر يبحث عن ثغرات فى هذا الطابور ..

واليوم كانت لى تجربة مقصودة فى الوقوف فى طابور السجل المدنى لاستخراج شهادات ميلاد لطفلى الصغيرين ، ذهبت قبل ميعاد العمل بساعة حتى أكون أول الطابور فإذا بى وقد اكتمل الطابور ، سألت متعجباً متى اكتمل ؟ فقالوا لى قبل ساعة من الآن .. هل أحب الشعب نظام الطابور ، حتى إنهم يأتون قبل الميعاد للاستمتاع بالطابور ؟ أم أنهم أرادوا الفوز بالوصول للشباك قبل موعد انتهاء العمل ؟ عشرات البشر فى مكان ضيق لا يتسع لبشر ، وصلت لآخر الطابور ووقفت فى آخره ، ساعة تمر دون حراك ، ما السبب ؟ الكل يسأل حتى وصل السؤال لأول الطابور ثم رجعت الإجابة لنا نحن سكان آخر الطابور .. الموظف يتناول إفطاره ويشرب الشاى .

إلى هنا والكل متعلق بالشباك لعله يفتح لهم، فتح الموظف الشباك ، هلل سكان الطابور ، سألنا ما الحدث ؟ فقالوا فُتح الشباك .

إهانات لآدمية الإنسان وكأنه ليس إنسان ، تجاوزات واستثناءات من الموظف للمعارف والأصدقاء . رجل عجوز يطلب منى أن أحفظ له دوره ليستريح قليلاً بالجلوس على الأرض ، وامرأة تخرج من طابور النساء وهى تبكى من كثرة الزحام . بعد خمس ساعات من المعاناة وصلت للشباك ، قبلت حديد الشباك وكأنه مقام لولى صاحب بركات . أعطيت الموظف تاريخ الميلاد والاسم وأخذ الرسوم منى ، خرجت حاملاً الشهادتين ناطقاً بالشهادتين وكأنى ولدت من جديد . والسكان الجدد للطابور يهنئوننى بالانتصار ونيل المراد .

خرجت من الطابور محملا بكم من الأسئلة ، هل نظام الطابور مازال سارياً فى بلدان العالم المتحضر ؟ هل استخراج الأوراق الرسمية يحتاج كل هذه المعاناة ؟ هل العلم عجز عن القضاء على نظام الطوابير ؟ وجدت أن هناك حلولاً سهلة للقضاء على الطوابير بعضها ينفذ بالفعل مثل النظام المتبع فى البنوك وهو نظام الرقم ، فكل عميل يحصل على رقم بمجرد دخوله البنك ثم يجلس متمتعاً بالراحة منتظراً ظهور رقمه على الشاشة .

وهناك أيضاً الحكومة الالكترونية ،بالفعل لا مجرد شعار، حيث استخراج الأوراق الرسمية عبر الانترنت ، وهذا نظام متبع فى كل الدول المتقدمة .

وإن عجزنا فهناك طرق أخرى لتقليل معاناة المواطنين ، منها تجهيز شبابيك إضافية لخدمة المواطنين ، وكذلك عمل فترات عمل مسائية لتقليل الزحام .

الطابور أيها السادة انقرض فى دول كثيرة ، فلماذا يزداد نمواً فى بلادنا نحن؟ الطابور تجربة تستحق المرور بها ، فربما يأتى يوماً نشتاق فيه للطابور .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;