لقد توفيت منذ ساعتين، وجدت نفسى محاطاً بمجموعه من الملائكة والأرواح طيبة النفس، وأُناس آخرون لم أقابلهم من ذى قبل، وأنا الآن أقف أمامهم، أحس بهمساتهم وأنفاسهم الساخنة تتخلل روحى، لستُ علىٰ ما يُرام، إنهم يقتربون منى أكثر فأكثر، توسلت لهُم أن يعيدوننى إلى الحياة لـ لَحظات، من أجلِ أمى المريضة المُلازمة للفراش، أُريد أن أُطمئنها علىَّ، وأن أكذُب عليها لآخِر مره وأخبرها أننى بخير!
ما هذا! لقد انشق قبرى، أخبرنى أحدهُم بأن أنظُر إلى الشق ومن ثم همسَ فى أُذنى قائلاً لديك فُرصة أخيرة، ستطمئنُ عليها من هُنا ولكن عليك أن تعرف بأن توقيتنا يختلفُ كُل الاختلاف عن توقيت الدنيا، ومن ثم تحول هذا الشق إلى شىء يُشبه شاشه العرض، ما هذا! إنها أُمى! أخبروها ألا تبكى فـ أنا هُنا فى نعيم مُحاطٌ بملائكة الرحمن، الصورة كانت مُسرعة جدا، والزمن كان يتغير من ثانية إلى الأُخرى، كُل شىء كان يتغير!، ماتت أمى وتغيرت أحوال شارعنا وتزوج إخوتى واحداً تلو الآخر، أصبح للجَميع حياتُه الشخصية الخاصة، كانت الأحداث والسنين تمُر أمامى فى غمضة عين، ولكن فى ظل هذه الأحداث الكثيرة والصورة المُشوشة لاحظتُ شيئاً ثابتاً لا يتحرك فى الخلف، يبدو كالطيف أو كـ ظلٍ لونه أسود قاتم، وكانت السنين تمُر مَر الثوانى، ومَرت دقائق كثيره ولا يزال هذا الطيف موجوداً، ولكنه كان يتلاشى شيئاً فـ شيئاً، ناديت علىٰ أحدهُم، توسلتُ له أن يخبرنى ما هذا الطيف أو أن يُقربه لى لكى أستطيع أن أرىٰ ملامحه علىٰ الأقل، كان ملاكاً طيب، قام بتكبير الصوره لي، بل زاد عليه بأنه عرض المشهَدْ بـ التوقيت الدنيوي، و لا أزال أنا باقعا مصدوماً فى مكاني، كُلما أتذكر هذا الظل أراه يبكى فـ أبكي، لم يكُن هذا الظل سوىٰ أبى .