إن القرآن الكريم الكريم هو دستور العرب ومحافظ مأثرهم ولغتهم إلى يوم الدين، وهو مرآة العرب الصادقة التي صورت أحوالهم وأفعالهم، فكان بذلك معيارهم الصادق وحافظ لغتهم. إن السر الكامن وراء الخلود اللغة العربية والحفاظ عليها من الاندثار هو القرآن الكريم بما كان له من أثر بالغ في حياة الأمة العربية وتحويلها من أمة تائهة إلى أمة عزيزية قوية بتمسكها الكتاب الذي صقل نفوسهم، وهذب طباعهم وطهر عقولهم من رجس الوثنية وعطن الجاهلية، وألف بين قلوبهم وجمعهم على كلمة واحدة، توحدت فيها غاياتهم وبذلوا من أجلها مهجهم وأرواحهم ورفع من بينهم الظلم والستبعاد.
هذا هو القرآن الكريم الذي منح للغة العربية قوة ورقيا ما كانت تتصل إلى ما وصلته به بما وهبه الله سبحانه وتعالى من المعاني الفياضة والألفاظ المتطورة، والتراكيب الجديدة والأساليب العالية الرفيعىة. ومن فضل هذا القرآن الكريم غدت اللغة العربية تتألق وتتباهي على غيرها من اللغات بما حازت عليه من محاسن الجمال وأنواع الكمال.
إن اللغة العربية هي أطول اللغات عمرا وأثراها لفظا وأقدرها على النمو اللفظي والدلالي لما تتحلى به من خصائص اشتقاقية فريدة فإن بوسعها أن تعبر عن سبل المفاهيم العلمية والتقنية الجديدة المتدفق باستمرار. حافظت اللغة العربية على وجودها وعمت أقطارا شاسعة في الشرق والغرب، وهكذا أصبحت اللغة العربية لغة عالمية بعد الاتصال الذي حدث بعد انتشار الإسلام في الآفاق، وبسبب نزول آخر معجزة في الأرض وهي القرآن الكريم الّذي أُنزِل على رسول الله صلى ال عليه وسلم.
ومن الواضح أن فهم كتاب الله تعالى لا يتأتي إلا بفهم اللغة العريبة، واللغة العربية التي هي لغة القرآن ليست مجرد أيدولوجية، وإنما هي مرجعيتنا التي لم تكن لا نسبية ولا مرحلية، وهي أكبر اللغات السامية احتفاظا بسمات السامية، لم تتأثر باللغات المجاورة لها كثيرا رغم الاختلاط بين العرب والشعوب الأخرى، لأنها هي لغة القرآن حفظها وحفظته.
إن اللغة العربية تحيأ بحياة أمتها، والأمة العربية حيث بلغتها من أجل القرآن الكريم، ولن يتأتي للإنسان أن يعرف الإسلام دون معرفة القرآن، ودون معرفة القرآن بلغتها لأصلية. نزل القرآن الكريم على الرسول العربي بلسان عربي مبين، فكانت هذه الظاهرة ضرورة اجتماعية لنجاح رسالة الإسلام الخالدة ، وأساس للتخاطب في إبلاغ دعوته.
إن اللغة العربية هي اللغة الوحيدة التي ظلت قرونا مرتبطة بمفاهيما الأساسية دون أن يطرأ عليها أي تغيير، وذلك بقوة القرآن الكريم الذي نزل بلسانها العربي. إن ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم وأثره يفتح كمفهوم الإتساع ويوسع من أفق الرؤية القرآنية في كل عصر ومصر.