إن كنت قد فقدت الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة التى من شأنها أن تُسعدك فى يومك فإنك بحاجة إلى مراجعة صحة أفكارك ومعتقداتك، كما عليك أيضاً بمراجعة عاداتك اليومية الخاطئة، فنحن فى الحقيقة قد خُلقنا لنحيا حياة سعيدة بغض النظر عن ظروفنا.
ولكن كيف نحصل على السعادة الحقيقية فى وسط تلك الاختيارات الكثيرة؟! للإجابة عن ذلك السؤال سوف نقوم بتقسيم السعادة إلى ثلاث مستويات لكى تُدرك أين أنت من بينهما.
المستوى الأول: يمكننا أن نطلق عليه اضطراب الصندوق الفارغ، وفى هذا المستوى يبحث الإنسان عن السعادة فى المكان الخطأ، كمن يرتبط بشخص غير ملائم له أو كمن ينتمى إلى مجموعة من الأصدقاء الذين لا يناسبه صداقاتهم أو يبدأ رحلة البحث عن الذات لإيجاد الفرحة فى عمل لا يتوافق مع قدراته الشخصية وإمكانياته الفردية وصفاته الخاصة، ومن أهم الأسباب للبحث فى صندوق السعادة الفارغ هو عدم معرفة الذات بشكل صحيح وكافى، أو التقليل من قيمة النفس مما يقود الشخص للقبول بأقل مما يستحقه.
المستوى الثانى: هو مذاهب اللذة بأنواعها، وتعنى اللذة فى أبسط معانيها اشتهاء أمر ما مع الاستمتاع بفعله، وتلك المتعة التى تسببها اللذة ليست هى السعادة فى حد ذاتها فالإحساس بالسرور الذى تشعر به بعد تناول طعامك المفضل أو بشراء شيئاً تريده لا يستمر تأثيره إلا بضعة ساعات فقط، وربما قد تصبح سعيداً فى يومك بأكمله ولكن ماذا بعد؟ .
وتتعدد أنواع اللذة فمنها شهوة التسوق، تناول الوجبات السريعة اللذيذة، تعاطى المواد المخدرة، متع جسدية، وحتى شهوة تعدد العلاقات، ويرتبط ذلك بزيادة مستويات الدوبامين فى الجسم فيؤدى إلى تحسن ملحوظ فى المزاج العام وزيادة فى التركيز ومشاعر البهجة ولكنها لن تستمر كثيراً فهى "سعادة مغشوشة".
المستوى الثالث: هو "الفرح العميق" وهو الفرح كما يجب وهو الأقوى تأثيراً ودواماً. هناك قاعدة تحدث عنها الكثير من الخبراء وقد أثبت صحتها الواقع وهى أن السعادة الدائمة والحقيقية هى رضا القلب وحالة الاستقرار النفسي عندما يشعر الفرد أن جميع أموره مسئولة من سلطة أعلى منه قادرة على تدبير جميع أمور حياته واحتياجاته، فلا يوجد شخص واحد على وجه الأرض يشعر بالسعادة طوال الوقت لأنها مسألة نسبية، ولكن يوجد من يتمتع بفرح القلب التى لا تستطيع أصعب ظروف الحياة نزعه من حياته، ويرتبط ذلك الأمر بتنشيط عمل القشرة المخية الخاصة بالفص الأمامى مما يجعل الإنسان أكثر حكمة وقدرة على التحليل الجيد وتمييز الأمور بشكل صحيح لاختيار الأفضل لحياته.
وللنجاح فى ذلك الأمر عليك بالالتزام بصلواتك والتمتع بعلاقة حية مع الله والتوكل عليه بشكل كامل وطلب المعونة، أما الجزء الأخر هو أن تفعل ما فى وسعك وطاقة يدك للابتعاد عن كل ما هو سلبى ومُحبط، وأن تطلب من الله أن يمنحك الحكمة فى اختيار أصدقاءك وشركاءك بعناية شديدة، وعند عجزك فى أمرٍ ما دع الأمر فى يد الله. فقط أريد منك ألا تكون سلبياً ولا تضيع عمرك بداخل صندوق السعادة الفارغ أو متعة اللذة الوهمية ولكن ابحث عن فرح القلب الذى هو أصلحهم وأبقاهم.