فى تجربة قديمة أجراها أحد مهندسى شركات الصلب فى أمريكا لبيان قدرة العامل اليومية فى نقل أطنان الحديد، حيث لاحظ أن معدل نقل العامل يوميا هو إثنى عشر ونصف الطن ثم بعد ذلك يدركه الإعياء. فأجرى دراسة علمية لأسباب التعب عامة، صرح بعدها بأن العامل من هؤلاء يسعه أن ينقل سبعة وأربعين طنا فى اليوم، أى يضاعف إنتاجه أربع مرات ومع ذلك لا يشعر بالتعب، لقد تخير أحد العمال ليجرى عليه تجربته، وأمسك بساعة فى يده وراح يقول للعامل وهو ينظر فى ساعته .. الآن اشتغل .. الآن استرح . فكانت النتيجة مضاعفة الكمية التى كان ينقلها العامل أربعة مرات. والسبب فى ذلك أن العامل كان يؤمر بالراحة قبل أن يدركه التعب. وكان مجموع ما يشتغله فى كل ساعة هو ست وعشرون دقيقة فقط بينما يستريح أربع وثلاثون دقيقة أى أن فترة الاستراحة أكثر من فترة العمل ومع ذلك استطاع أن ينجز من الأعمال أكثر مما اعتاد أن ينجز وهو يواصل العمل بلا راحة أو تنظيم علمى.
وهذه قاعدة يجب أن نطبقها فى حياتنا . علينا أن ندرك القدرة التى نستطيع خلالها العمل والإنتاج وأن تتخللها فترات راحة مناسبة وحتى لو كانت فترات متقطعة وسواء كان العمل مادى أو ذهنى، والطالب الذى ينكب على المذاكرة مجتهدا فى تحصيل دروسه يجب أن يدرك مدة قدرته الذهنية فى الاستيعاب والتركيز، ثم يعطى لنفسة قسطا من الراحة فى الوقت المناسب الذى تقل فيه درجة التركيز ويعجز العقل عن الاستمرار فى تلقى المعلومات بالكفاءة الطبيعية . وعلى الأمهات اللاتى يتفرغن للجلوس مع أولادهم أثناء المذاكرة أن يدركوا أهمية الراحة ووقتها لكى يستعيد العقل نشاطه وتركيزه. ويمكن أن ندعم هذه القاعدة بمنح الحوافز التى تستنهض القوة البدنية وتستحث العقل على المزيد من التركيز فى إطار من العمل ثم الراحة متى وجبت طبقا لقدرات الشخص. أحيانا نقابل أشخاصا يملكون قدرات خاصة وأعلى من الآخرين فى مجال المجهود البدنى والتركيز الذهنى والاستيعاب العقلى، وهنا لا يجب أن نقيس عليهم أو نضعهم معيارا ثابتا. وقد نجد فى البعض من ذوى الاحتياجات الخاصة من القدرات ما يفوق قدرات الأصحاء وهو ما يمثل استثناء من القاعدة. وتبقى الإرادة والتصميم لدى البعض أشبه بالسحر وأقرب للمستحيل فيما نراه من إنجازات وقدرات تبدو خارقة للعادة لدى العامة.
لقد كتب داروين الذى استطاع بعلمة أن يغير نظرة الناس إلى الحياة : ( لو لم أكن مريضا طريح الفراش لما أنجزت من الأعمال ما أنجزت) . وملتون الشاعر المتميز كان اعمى وبيتهوفن كان أصم ، ولا يتسع المقام لسرد مثل هؤلاء العظماء الذين تحدوا عجزهم لكن علينا أن نغير رؤيتنا لأنه لا علاقة بين الحياة المستقرة الرغدة الخالية من الصعاب وبين النبوغ والتفوق والعكس صحيح. ولذلك كانت الخطوات الواثقة والانطلاقات الواثبة من أجل النجاح تعلو دائما فوق ظروف الحياة بحلوها ومرها عند أصحاب الإرادة القوية والفكر المنظم المتوازن الذين يدركون متى يكدون ويتعبون ومتى يلجأون إلى القسط من الراحة والاسترخاء.