دوام الحال من المحال، هكذا قال أجدادنا لا شىء يظل ثابتا على ما هو عليه؛ فالأرض والشمس والقمر والسحب والماء والهواء ، كل هذا وغيره من عناصر الكون يتحرك ويدور، حتى حياتنا تشبه تماما فصول السنة من ربيع وخريف، فحياة كل منا زاخرة بالتناقضات وتقلب الأحوال.
فتراه يتحدث عن فقر بعد غناء، ومرض بعد شفاء، وشقاء بعد راحة والعكس صحيح، وأنا فى ذلك خير مثال؛ فبعد رخاء جم وربيع مزدهر وحياة ناعمة، تسلل إلى عائلتنا ما لم نتوقعه أبداً ، فجاءت الرياح على عكس ما تشتهى السفن فقد قتل شاب من عائلتنا رجلا آخر نتيجة لشجارِ قد احتد بينهما، فقررت عائلة القتيل أن تأخذ ثأرها وترد شرفها كما يدعى مؤيدو الثأر، واشتعل فى نفوسهم انتقام ممزوج بالحمية العصبية مع بعض العادات العمياء المتوارثة، ولم يدفع ثمن ذلك إلا عمى الأكبر الذى احتضننا منذ وفاة أبى، نعم لقد قتلوه أثناء عودته من العمل، لا يحمل سوى بعض الحلوى التى يحضرها لنا كل يوم _كعادته_ هم يحملون السلاح وعمى يحمل الحلوى؟.
استمر الثأر لسنوات، سنوات لا نأمن لأنفسنا الخروج نَقتل ونُقتل ونرمى بأنفسنا إلى التهلكة إلى أن شاء سبحانه وتصالحت العائلتان، فكان مقدم الصلح عشرة من خيرة رجال العائلتين دفعوا بالتقسيط المريح إنها مأساة يا طفلتى .
فقلت:- لقد طال خريف عمرك يا جدتى لذا تكرهين روح الانتقام أليس كذلك؟
جففت دموعها وتنهدت قليلاً ثم قالت بتريث الحكماء: الثأر يا صغيرتى هو الإرهاب المتغلغل فينا، فأصبح القتل حل لكل عقدة تؤذينا طوفان جهل غمرنا ببطونه وما لسفينة نوح من أثر.
ولكن يا جدتى لقد انتهى ذلك الخريف منذ الصلح.
ردت معللة إن الذكريات لا تموت يا صغيرة؛ وذاك الخريف لم ينته بعد ومازالت النفوس يعميها الانتقام ويقودها الجهل.
فعقدت حاجبى قليلا وسألتها مستنكرة ومتى ينتهى إذا؟
فرسمت بسمة صغيرة على ثغرها وقالت عندما نرفع غشاء الجهل، عندما يأتى نوح بسفينته.