يظل المرء سرًا مغلقًا على نفسه، يتشدق بليبراليته وديمقراطيته المتأصلة لديه، تلك التى يروّج بين الناس أنها صفة جُبل عليها وفطرة تقلّب بين ظهرانيها صغيرًا بين ذويه .. حتى يصطدم بالآخر، الحديث عن أى آخر يختلف معه سواء فى الرأى أو الرؤية وصولًا للمعتقد والعقيدة .
هنا تراه على حقيقته، تجد نفسك بين يدى عقلية متحجرة لا يرى إلاّه، يكره كل معارض، يؤمن بقرارة نفسه أن الخلاف يئد كل قضية، المختلف معه بينه وبين الكُفر شعرة واهية .
يتنفس المجتمع ويحيا كشخصية اعتبارية شأنه شأن باقى الموجودات الحية، ولأن عناصره الأوليّة وخلاياه التى يتشكّل منها هم البشر بتنوّعهم واختلافهم، لذا فله عقل جمعى، يسيطر عليه ويتلاعب به من يملك زمامه من أصحاب الصوت العالى.
الحديث عن قبول الآخر شائع حتى أصبحت العبارة من كثرة ترددها وترديدها مسخّا، فقدت بريقها كباقى المفردات والمصطلحات التى تميع بين أيدى النخبة، فهل نقبل الآخر فعلًا؟ هل نسمح للمختلفين معنا بتلك المساحة التى نستحوذ عليها؟ لالالا بل نصفها، أقصد رُبعها أو خُمسها ؟ لعل السؤال الأدق .. هل نسمح بظهور الآخر أو بفكرة وجوده من الأصل ؟
النغمة السائدة أننا كمجتمع نسمح بهذا، نقبل الآخر كما هو، الفرقة الموسيقية تعزف ذاك اللحن بكفاءة ومهارة وهى فى عزفها تعتقد بصدق الأداء، وبجودة المُنتج وتؤمن بأن المستمعين يصدّقونها.
الشاهد الرئيسى على مدى تقبُّل الآخر : عندما تتعامل مع شخص ما لا تعرفه، زميل فى العمل أو جار جديد، غريب بمواصلة عامة وربما جليس بجوارك فى أى مكان ثم بدأ هذا الشخص أو ذاك فى التقرّب منك والتودد إليك، هل تبحث سرّا أو جهرّا عن ديانته ومعتقده؟ ثم تؤسس بعد ذلك لشكل علاقتك به وطريقتك المُثلى فى التعامل معه؟ أجزم أن كلنا سننكر علنًا ذلك المنهج ومع ذلك نمارسه آناء الليل وأطراف النهار كمن يمارس شعيرة لا يستقيم دينه دونها .
الأزمة خانقة تبدأ من الجذور، من بضعة تفسيرات وتأويلات للنصوص، تكفّر الآخر وتقبله على مضض، تراه مغنمًا، دونيّة نفرضها على كل مختلف فى العقيدة أو الرأى، ضريبة ينبغى أن يدفعها هؤلاء طالما ارتضوا العيش معنا وبيننا ، لنا كمجتمع كل الحق فى أن نؤمن بهذا .. فنحن دائمًا على صواب والحق دليلنا فى الحياة ، الآخرة مضمونة نتائجها .