لغتنا العربية – لغة القرآن – حية بمفرداتها المتعددة الأوجه، وسقط صداها على الأفئدةِ قبل الآذان، فإنما مُنحت جمالها وتفردها من بلاغة القرآن.
يقول الله تعالى: {فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ}. (سورة الرحمن، آية: ٦٨).
في هذا الخلاف اللغوي من ذكر النخل والرمان، كونهما من الفاكهة وتكرارهما إفراداً، من عدمه، وارتباط ذلك بالحكم الفقهي، تتضح التفسيرات والدلالات الآتية:
١- قال بعض العلماء: ليس الرمان والنخل من الفاكهة؛ لأن الشيء لا يُعطف على نفسه، إنما يعطف على غيره؛ لأن العطف يقتضي المغايرة، وهذا ظاهر الكلام، فلو حلف لا يأكل فاكهة لم يحنث بأكلهما.
٢ - وقال الجمهور: هُما من الفاكهةِ؛ وإنما أعاد ذكر النّخل والرمان لفضلهِما على الفاكهة، فهو من باب ذكر الخاص بعد العام تفضيلاً له، كقوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}. (البقرة، آية: ٩٨).
وقوله تعالى : {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}. (البقرة، آية: ٢٣٨).
٣ - وقال السمين الحلبي في كتابه (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون، ج٦): وهذا يجوز ؛ لأن "فاكهة" عامّا؛ لأنه نكرة في سياق الإثبات، وإنما هو مطلق، ولكن لما كان صادقاً على النخل والرمان قيل فيه ذلك.
٤ - وقال القرطبي في ( الجامع لأحكام القرآن، ج ١٧): إنما كررهما؛ لأن النخل والرمان كانا عندهم في ذلك الوقت بمنزلة البرّ عندنا؛ لأن النخل عامة قوتِهم، والرّمان كالتمرات، فكان يكثر غرسها عندهم لحاجتهم إليه، وكانت الفواكه عندهم من ألوان الثّمار التي يعجبون بها، فإنما ذكر الفاكهة، ثم ذكر النخل والرمان لعمومهما، وكثرتهما عندهم في "المدينة" إلى "مكّة" إلى ما والاها من أرض "اليمن"، فأخرجهما في الذكر من الفواكه، وأفرد الفواكه على حدتها.
٥ - وقيل: أفردا بالذكر؛ لأن النخل ثمرة: فاكهة وطعام. والرّمان: فاكهة ودواء، فلم يخلصا للتفكّه. ومنهُ قال أبو حنيفة - رحمه الله - : من حلف ألا يأكل فاكهة فأكل رماناً، أو رطباً لم يحنث.