رحلة طويلة خاضها الإنسان نحو التحضر، لكن ظل السلاح البيولوجي شاهدًا على الجانب الوحشي في أغلب القرون، فكيف ذلك؟ وكيف وصل الإنسان إلى هذا السلاح الفتاك.
تعد الأسلحة البيولوجية من أشد الأسلحة المعروفة فتكاً وتدميراً، حيث إنها تستخدم للتسبب المتعمد في نشر الأوبئة بين البشر وفي تدمير البيئة من ماء وهواء وتربة، كما أنها تستخدم ضد المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية والتي هى لب اقتصاد بعض الدول. ومن أشهر أنواع الأمراض المستخدمة في الحروب البيولوجية: الجمرة الخبيثة والجدري, الطاعون والكوليرا و إنفلونزا الطيور و الخنازير والكثير من الأمراض حتى كورونا الآن.
بالإضافة إلى الآثار الكارثية للأسلحة البيولوجية، فإن خطورتها تكمن في انخفاض تكلفتها وسرعة وسهولة تحضيرها ونقلها واستخدامها مقارنة بأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وعلى العكس من القنابل النووية والكيمائية, فإنه يسهل إحاطة القنبلة الحيوية بالسرية التامة, حيث أنها تنتشر بشكل خفي عبر الهواء فهي بلا لون ولا رائحة وبالتالي لا يمكن اكتشافها أو تحديد مصدرها. ومن مخاطر السلاح البيولوجي أنه يصيب الكائنات الحية غير المقصودة بالهجمة العسكرية، كما ويصعب التفريق بينه وبين الحالات المرضية الطبيعية التي قد تشترك معه في الأعراض. ومع التقدم العلمي فإن الهندسة الحيوية زادت من خطورة استخدام السلاح الجرثومي لقدرتها على تحضير أسلحة جرثومية لأهداف عسكرية محددة.
الحرب البيولوجية والتلوث البيئي
يخلف استعمال الأسلحة البيولوجية جراثيم الأمراض الملوثة للهواء، والماء، والغذاء، والبيئة بشكل عام، مسببة بذلك أمراض وبائية للإنسان والحيوان والنبات على حد سواء، حيث إن هذه الجراثيم المرضية لا تظل ساكنة بصورة وبائية في الطبيعة ولعدة سنوات فحسب، بل وتقاوم الظروف البيئية الصعبة.
هنالك عدد كبير من الأمراض الملوثة للهواء والمستخدمة في الحرب البيولوجية وتعد الفطريات من أشهرها، حيث إنها تنتقل بالهواء لمسافات بعيدة لتصيب النباتات السليمة بأمراض كالصدأ وغيره. أما تلوث الأغذية فهو من أقوى الطرق المستخدمة في تنفيذ هجمات الحرب الجرثومية، حيث تنقل العدوى إلى الإنسان مباشرة من خلال تناول الطعام أو الشراب الملوثين، أو بطرق غير مباشرة بوساطة عائل وسيط.
أما المياه فتنقل عدداً من الأمراض الفتاكة، فمثلاً يعتبر سـم بكتيريا Clostridium tetaniمن أقوى السموم المستخدمة حربياً, حيث يستطيع جرام واحد من هذا السم قتل ثمانية ملايين نسمة خلال ستة ساعات فقط وفي الحال. وليكون الضرر مزدوجاً على الحيوان والإنسان معاً, تستخدم مايكروبات الأمراض المشتركة كالحمى المالطية، الحمى القلاعية، جدري الأبقار، القراع، الحمى القرمزية وغيرها كثير.
تهديدات الحرب البيولوجية على التنوع الحيوي
هنالك اعتراف علمي متزايد بأهمية مكافحة الأمراض للحفاظ على التنوع الحيوي والسلالات الحيوية المهددة بالانقراض. ورغم وجود اللقاحات والأدوية المضادة لمعظم الأمراض المستخدمة عسكرياً، فإنها قد لا تتوافر بكميات مناسبة لمواجهة التفشي الوبائي للأمراض. إن من أهم أسباب الانقراض في الأنواع المهددة بالانقراض هو الإصابة بالمرض، حيث تشكل هجمات الأسلحة البيولوجية خطراً على النباتات والحيوانات البرية النادرة بشكل طبيعي والأنواع التي قل عددها أو تدهورت موائلها الطبيعية بسبب الأنشطة البشرية.
ومن الجدير بالذكر أن الأمراض التي استطاع البشر تطوير مناعة لها في الأنواع المحلية قد تكون مميتة في الحيوانات البرية. إن الأسلحة البيولوجية ليس لها تأثيرات مباشرة على التنوع الوراثي للنباتات والحيوانات الأهلية فحسب، بل إن لها أيضاً آثاراً كارثية مباشرة وغير مباشرة على المجتمعات الحيوية من النباتات والحيوانات.
وطور هذا المرض في مختبرات الأسلحة البيولوجية, فخلال العقد الماضي، أدى تفشي هذا الداء إلى فقدان الموائل وإنقراض عدد كبير من الأنواع البرية المعروفة في أمريكا الشمالية والقضاء على ما يقارب ثلث مجتمعات الأسود في تنزانيا, كما ويشكل هذا المرض تهديداً خطيراً على العدد القليل المتبقي من الفهود المهددة بالإنقراض.