قد يكون شيئا محزنا بالفعل أن يقل من وجهة نظرك أعداد من يتمتعون بالاعتدال فى كل شىء بداية من التصرف المعتدل وصولا للتفكير المعتدل، وبرغم دعوة كل الأديان إلى ضرورة مراعاة الاعتدال إلا أن الإسلام بسماحته كان له الدور البارز فى الدعوة للوسطية فى كل شيء ويدل على ذلك الكثير من الآيات القرآنية فهو(دين الوسطية) بالإضافة إلى أحاديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وأسهلها وأكثرها تداولا إن صح عنه (صلى) قوله (خير الأمور أوسطها)؟
أعلم مدى (استغرابك)عزيزى القارئ المحترم من طول تلك المقدمة، ولكنى أردت أن نستجمع أفكارنا سويا لنخوض فى موضوع أصبح فى غاية الأهمية آلا وهو (عدم الاعتدال) فقد أصبح الناس ما بين ( قادح ومادح ) وقليل من الناس من يعمل العقل أو تستوقفه أهواءه ليكون شخص معتدل التفكير ويتسم بالحكمة التى امتدحها الله عز وجل فى قوله ( يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) صدق الله العظيم
والحكمة هنا يا عزيزى القارئ هى (وضع الأمور فى نصابها) فلا تعطى الأمر أكثر من حجمه فتجهد نفسك بلا طائل ولا تعطى الأمر أقل من حجمه فتصبح مستهتراً فيفوتك من الخير الكثير، ثم اسمح لى أيها القارئ الفطن الواعى أن أعود بك إلى متن هذا المقال ولنأخذ مثلاً منصب رئيس الجمهورية.
بداية الأمر لن تجد مجتمع يجمع على شخص وإلا كان الناس قد اجتمعوا على إله واحد وهو (الحى القيوم سبحانه) ولكن الناس اختلفوا حتى على رب العالمين فمازال هناك من يعبد البقر والشمس وغيرهما من آله (ما أنزل الله بها من سلطان).
فرئيس الجمهورية إنسان يخطئ ويصيب وهو أيضاً ليس شيطاناً ولا ملاكاً، فله حسناته التى تذكر له كما أن له أخطاءه ومن حق الإنسان المعتدل أن يمتدح الحسنات كما أنه من حقه أيضاً أن ينتقد الأخطاء ويبحث فى طرق تصويبها
أما أن نجد من هم على طرفى النقيض إما قادح أو مادح فهذا شىء مستهجن ولا يليق بعقل ذو بصيرة فليس من الطبيعى أن تنتقد على طول الخط وإلا سوف يظهر انتقادك الدائم غيظ قلبك ولا يليق بشخص سوى أن يحكم وهو يحمل شحناء من شخص فهو يقوم بدور كل من القاضى والجلاد ويكفينا قول الله _ سبحانه وتعالى _ (ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا) وهنا يدعونا ربنا _ سبحانه _ إلى العدل حتى ولو لم تكن تحب ذلك الشخص الذى تحكم عليه
وفى المقابل أيضاً نجد معتادى (التهليل والتطبيل) ممن يعيشون على جميع الموائد من أهل (النفاق) الذين يبحثون فقط عن مصالحهم الشخصية وهؤلاء يؤلهون الحاكم طالما كان الأمر يصب فى مصلحتهم فهؤلاء مثل (الدبة اللى قتلت صاحبها) فبتصرفاتهم الهوجاء والحمقاء وقلوبهم المريضة يؤلبون قلوب العباد على الحاكم أو (ولى الأمر)، فهؤلاء أكثر ضرراً على أى رئيس من أعدائه فهم من يضعون السم فى العسل فخطرهم مضاعف (كفانا الله وإياكم من شرورهم).
إذن كل ما نحتاجه هو الاعتدال فى كل شىء وإن كان بداية الاعتدال عدم تنصيب أنفسنا قضاة على الناس، فلو اهتم كل شخص فينا بما يجب عليه فعله وترك لكل واحد عمله الذى يجيده ما رأينا شحناء ولا أحقاد ولا إصدار الأحكام على الغير وليس على الرئيس فقط، فالرئيس إنسان كأى إنسان يتبوأ منصب قيادى وكل ما يستوجب على الرئيس فعله هو حسن اختيار بطانته ومعاونوه فهم المرآة التى يراه الناس من خلالها، كذلك يجب على الإنسان المعتدل أن يتقى الله فى إصدار الأحكام على الناس فلا مدح مفرط ولا قدح مغرض (استقيموا يرحمكم الله).