الحياة منحة إلهية منحها الله لكل المخلوقات على سطح الأرض، الممهد بالأساس للحياة، ولكن هذا الحق كان لابد وأن يُأخذ بشكلٍ آخر فمع تطور الجنس البشري، خاصة بعد أن أعلن الإنسان العصيان والتمرد على كل الحتميات وفرض سيطرته على الطبيعة الأم وهيمن عليها.
فقام بوضع القوانين وسن المواثيق لحماية حياته وحقوقه وعرفت هذه الحقوق فلسفيًا تحت اسم الحقوق الطبيعية، فالحق الطبيعي كما عرفه الفيلسوف إسبينوزا "هو الحرية والحق في ان يفكر الإنسان كيفما يشاء".
أي أن الحق في نظره مجموعة من الحقوق يستمدها الإنسان سواء من الطبيعة أو من خلال بعض الحقوق الوضعية المتفق عليها بين الشعب والدولة، حيث يرى إسبينوزا إن الدولة تمارس السلطة بواسطة الحق والقانون، فيما أطلق عليه (غاية الدولة).
ويرى إسبينوزا أن الإنسان في حالته الطبيعية يعيش تحت وطأة الصراع من أجل البقاء حيث ينعدم الأمن والسلم وعندما يجور القوي على حق الضعيف الذي لا يقوى على المواجهة من هنا لزم على الأفراد أن يؤسسون مجتمعا سياسيا يسهر على حفظ بقائهم وحماية مصالحهم بناء على تعاقد عقلي وإرادي، فالحق الطبيعي يستمد أساسه من القوة .
ما هو حق الوعي
الشعب الواعي يصعب حكمه، الشعب الذي يعرف حقًا حقوقه وواجباته يصعب تضليله تحت أية شعارات دينية، سياسية، عاطفية، أسطورية فالوعي يوقظ العقل ومن ثم تخمد العواطف التي من شأنها أن توقع العقل تحت مؤثر أو مخدر سلطوي أو حتى باسم القيم الدينية(المتطرفة).
فالوعي يعني إعمال العقل وأن يتحول الإنسان من متلقي، إلى باحث عن الحقيقة النسبية التي يمكن أن تتغير وتتطور أو حتى يثبت عكسها فالوعي يتسم بالعقلانية، والمرونة والتفتح وقبول كل الأفكار ثم نتأمل ثم نعرف ثم نصدق ثم نشك من جديد وهكذا هو ديالكتيك الأفكار المنطقية المبدعة، فالإبداع في جوهره هو القدرة على رؤية التناقضات.
الحق والوعي من منظور شعبي
يتجلى معنى الحق في المثل الشعبي (أقول الحق ولو على رقبتي) وتحسم حكمة الشعب الخطاب الجدلي الطبقي الأزلي، في هذه الجملة البليغة الموجزة والفلسفية بالضرورة، التي يخشى على قولها الكثير من النخب الاستعلائية، فهُم بطبيعة الحال يتجاهلون أقوال وحكم الشعب وذلك بسبب انعدام الوعي بعمق النص فكيف ستفهم النخب نصوص الشعب وهم يجهلون لغته وكذلك الحال مع الشعب أو الجماهير فلا نجد لغة تواصل بين النخبة والجماهير!!!
وللحق هذا الخلاف له أسباب كثيرة أهما لغة الخطاب والذي يصدر من الصفوة استعلائيًا ومن الجماهير ساخرًا وربما يصل هذا الخطاب النخبوي للجماهير فاقدا للمعنى، وعليه فلابد من خلق لغة حوار خالية من أية ايديولوجيا أو أحكام مسبقة أو قراءات مسطحة، فعندما تنجح النخبة في قراءة الجماهير كنص ثقافي اجتماعيًا وطبقيًا واقتصاديًا حينها ستفهم الجماهير وتجعل من النخبة رمزًا كما تفعل الجماعة الشعبية مع عنترة وابوزيد الهلالي وذات الهمة لأنها وجدت في تلك الرموز غايتها ولسان حالها .