عندما نريد أن نعرف إنسانا نسأله حكايتك إيه؟، وعندما نريد أن نعرف أنفسنا نسألها عن أحلامنا؟، فكأن الإنسان سلسلة ما بين حكاية يتداولها الناس عن ماضيه، وسر يعيشه عن أحلامه يشكل مستقبله! وما بين حكايتنا واحلامنا نعيش حياتنا.
لا نستطيع الحياة بدون أحلام، فالحلم هو امل. ولا يكتمل الحلم ولا يتحقق الا بوجود شخص اخر يتحقق فيه او معه الحلم.
لابد ان نحلم لكن بدون ان يكون الحلم خديعة! وعندما تخرج الحكاية أي الماضي من الحلم للمستقبل سنتمكن من وقف خداع النفس. الحكايات تنتهي، والاحلام لا تنتهي. والمشكلة الكبيرة التي نواجهها هي الخوف. لكنى لا أخاف لأني واثقة فيما كانت امي دائما تقوله لي من ان "رب العرش حاميكي".
حكاية فيروس الكورونا، حكاية بسيطة. بدأت بدعوة وانتهت بدعوة. هو ليس ببلاء ولا بوباء ولكنه عند البعض فرج من عند الله قريب، ونعمة لا يعلمها الا أصحاب العقول، وحكمة لا يدركها الا الاولياء.
لكل نقمة وجه اخر من النعمة! هكذا كان الوعد. {... فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].
ومعنى القاعدة بإيجاز:
أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب!.
والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وتطلع إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد، وهذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار.
لكن هل تعرف من دعا؟ وهل هو واحد ام واحدة؟ وهل كانت دعوة من طفل صغير ام شخص كبير؟ نعم ربنا قادر على تسيير الجيوش، وتدبير الأمور، وتغيير الاقدار، وتحويل القلوب من اجل بعض البشر ممن هم ضعفاء او قليلي الحيلة وهينين او مغتربين.
من دعا وطلب ورجا وبكى ليس واحد فقط لكنهم متأكدون ويقسمون ويرددون: انا من دعا ربي العظيم. انا من حرك له ربي الكبير جيوش خفية لينصرنى نصرا لا رادا له.
كنت مغلوبا فانتصر لي ربي. كانوا يتربصون بي! احاطوا بي من كل جانب. لكن الله وحده من خلق الأسباب، وفتح الأبواب لكي تنحل العقد، وتنفرج الكرب، وتفك الاسر، وتكشف السوء، ويجيب المضطر.
الحكاية تختلف وتتنوع بعدد الداعين وهم كثر، وبعظم الاستجابة من رب العرش العظيم.
الكل يبحث عن الحكاية والسر وراء الكورونا، ويتوقع ان تكون قصة كبيرة او مصيبة عظيمة.
نعم هي كبيرة عند صاحبها، ولكنها اكيد صغيرة عند الرب العظيم. ولنبدأ بأبسطها عند الخلق واكبرها عند الخالق.
الحكاية الأولى: دعوة طفلة:
جاءت الدعوة من طفلة اسمها فادية دعت ربها العظيم في ليلة قضتها تبكي ان تقضي أياما اكثر مع والدها المشغول بقوت يومه، وان تهتم بها والدتها اكثر قليلا من اهتمامها بالخروج يوميا وقضاء ايامها بالشراء والنوادي.
هل فادية وحدها هي من دعت بذلك؟ من يدري؟! لعل هناك ملايين مثل "فادية"!
رب السموات السبع ورب العرش العظيم سمع بكاء الآلاف من الأطفال مثل فادية ممن يفتقدن آبائهم وامهاتهم، عندما نسوا أولادهم وحقهم في ان يجدوا اهاليهم بجوارهم.
فيروس الكورونا جيوش خفية سلطها الله على الغافلين من عباده في انحاء المعمورة لكي يعود الآباء والامهات لدورهم الأصلي في تربية وتعليم أطفالهم كما هو الأساس في أي مجتمع سليم.
دعوة طفلة غيرت مسيرة العالم!
فادية تشكر الله الذي لم تراه. ولا تعرف الي الان كيف سمع ندائها ورأى دمعتها الصغيرة ولبى خفقات قلبها الصغير في ليلة قضتها حزينة أصبحت بعدها سعيدة.
فادية وحدها من تعرف السر، هي مطمئنة وواثقة بربها الكبير بالرغم من سنها الصغير. فكم منا بإيمان فادية؟!
هكذا كنا! فكيف أصبحنا! وللكورونا معنا حكاية جديدة!