حادثة قتل مروعة جرت وقائعها فى عاصمة الضباب ـ لندن ـ لشاب مصرى، يعيش فى ربوعها، وولد فى كنفها، وتعلم فى مدارسها، وتربى بتربيتها، وتخلق بأخلاقها، غير أنه مصرى، ذاك هو الفارق الوحيد بينه وبين مواطنيها. تلك المدينة الأوربية المتقدمة، التى تتمتع بأقصى درجات الانضباط الأدائى والأخلاقى، والتى تمتلئ شوارعها بكاميرات المراقبة، كأنها شهب راصدة، بما يعنى أن كل الوقائع تحت مجهر الأجهزة الأمنية، وتحت السيطرة. ومع ذلك وقعت الجريمة. حيث جرى إشعال النار ـ ليس ذاتياً ـ عند مدخل أحد الجراجات فى الشاب. وقد فارق الحياة فور وصوله المستشفى. وسواء كان الحادث جنائياً أو سياسياً، فإنه يدل دلالة واضحة، على فشل أجهزة الأمن البريطانية ـ على تعددها وتشعبها ـ فى منع وقوع الحادث ابتداءً، فى إطار ما يطلق عليه الأمن الوقائى.
وسواء جرت التحقيقات على نحو مهنى أو على نحو آخر، فإن رصيدنا مع بريطانيا فى هذا الجانب، لا يبشر بخير. وما زالت لنا قضايا عالقة لديهم، لم تحسم بعد. فهناك قضية مقتل الليثى ناصف ـ قائد الحرس الجمهورى فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومقتل أشرف مروان زوج بنت الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وكذا مقتل سندريلا الشاشة العربية سعاد حسنى، كلها قضايا ما زال يكتنفها الغموض، وتعد قضايا سياسية أبعد ما تكون عن الشق الجنائى. مع إن الأداء المهنى المحايد، ومراعاة حقوق الإنسان، وحقوق المجتمعات والدول، ومقتضيات الشفافية والوضوح، ومستلزمات العدالة المطلقة، كانت تقتضى الكشف عن ملابسات هذه الحوادث، وإماطة اللثام عن غموضها.
لقد أقامت بريطانيا الدنيا ولم تقعدها على مصر، بعد مقتل الشاب الإيطالى روجينى، وما فتئت تشير بأصابع الاتهام إلى أجهزة الأمن المصرية، لا باعتبارها مقصرة فى أدائها الأمنى، ولكن باعتبارها متهمة باقتراف الجريمة. وهو نوع من التسييس لقضايا يغلب عليها الطابع الجنائى، بينما القضايا السياسية المحضة، ما زالت دفينة أدراج أسرارها حتى الآن.