فى تحركات الأيام وتقلباتها تتعثر الأقدام فى الوحل؛ ليخرج من ثغرات جدران الحزن لكل أمل قديم فى مهده يأس قاتل متحدياً الحياة نفسها، حاقداً على بهجتها وخيرها ومن ثم تسُد كل مسام الأفكار؛ لتقضى عليها فلا يجد العقل مخرجا مرة تلو المرة، حتى يُعلن عن هزيمته المنكرة أمام اليأس وينحسب من الميدان النابض؛ لتسكنه أشباح الموت وخفافيش الظلام.
تَدُب حركة خفية فى جفن إنسان وتقاوم لفتح عينيه، فيرى ما حل على كل ما حوله من خراب نال من الأخضر واليابس؛ فيستلهم الفكرة التى تنير فكرة أخرى وتحفزها للتفكير فى كل اتجاه وزاوية، وتجمع أفكار من هنا وهناك وتؤلف بين المتناغمين؛ وتطرد ما دون ذلك وتدخل الأفكار فى مضمار المنطق والاستدلال والاستنباط، وتتكامل فى ثوب خيالى يلتف حول المكان ويتزين بأبهى الحُلل؛ ليرى أثره وما تغير به وتحول محاولاً البحث عن بدائل لأفكار أفضل؛ يمكن أن تساهم فى الارتقاء بالثوب ليُناسب الجميع وترتخى ستائر بهجته على كل ما حل؛ فلا تترك له ثقب ينفذ منه دمار المكان وما تلبث به من قبح، ليُعلن عن ولادة الفكرة الأولى الأصعب الرائدة فى الخروج الأول من اليأس .
تَشُم أشباح اليأس رائحة الأمل الوليد من الفكرة الجديدة فتتبارى لإجهاض وتكريس كل ما زال يحلم؛ ويدعم فكرته الأولى بفكرة أخرى تدعمها لقطع الطريق على تدميرها، وتكون بديلاً على أهُبة الاستعداد ليحل محلها إن لزم الأمر ذلك؛ وما لبث أن أنهى اكتمال الفكرة الثانية وبدأ حيز التنفيذ حتى انطلق فى الفكرة الثالثة التى تحيط بالأفكار الأولى والثانية، وتحميهم من الهلاك بالدعم المستمر المفرط فى الدفاع ضد أى هجوم محتمل من داخل الأفكار؛ أوخارجها حتى تتحصن بشكل نهائى فلا يعد لها منفذ يخترق منها اليأس أبداً، وبذلك اكتمل البناء الأول القوى فى عالم الأمل لتنتعش الحياة، وتثمر بهجة وخير وتشهد بانتصــار الحق .
مهما تبدلت الأيام وساء الحال وتفشى الوباء؛ فإن الإنسان لديه قوة جبارة ممنوحة من خالقه وهى الإرادة ليغير بها وجه الحياة، ويصبغ عليها ألوان النعيم بلا نهاية بمجرد أن يُكرس كل قدراته على ذلك التغيير المراد؛ والحصاد المراد من خلال زرعه لأفكار طيبة فى ذهنه لتنمو وتترعرع، وسط أرض خصبة من الابداع اللامحدود للعقل البشرى؛ والإمكانات الهائلة التى تحيل الظلام نوراً مبهجاً والصحراء بساتين من الياسمين، فيختفى الخراب ويحل العُمران وتلك هى .. صناعة الأمل .