ألا يستحق الاعتذار عن جعله رمز الغباء الذي يتصف به كثير من البشر بينما هو رمز للديموقراطية عند شعوب أخرى، ألا يستحق الاحترام لأنه تم تصنيفه كأقوى الحيوانات ذاكرة بسبب قدرته على حفظ أي طريق يسلكه من مرة واحدة، يحاول مساعدة الإنسان بشؤونه اليوميّة لطيب أخلاقه وحسن تربيته ويدلّه على الطريق إن ضلّ، ويحيد عن الحفر كي يحميه من الوقوع بها، وهو الذي تم استخدامه لاكتشاف الألغام في الطرق وساعد الإنسان على عبورها، ألا يكفي هذا لنحترمه، هو الحمار الذي يحمل الأثقال ويضرب ويهان ويقال عنه انه غبي، ألا يستحق منا التقدير على تحمله الكثير من غباء البشر وتسلطهم.
الحمار في عناده ذكاء يدافع به عن ذاته عندما تطلب منه القيام بأمر قد يضره وعندما يجد المنطق معدوما في أوامر الإنسان له يعلن الرفض و يعنّد في موقفه طالباً توضيحات من الإنسان في ضرورة ما يُلزمه على القيام به، و لكن لا حياة لمن تنادي، له جبهة عريضة برؤية أوسع تصل إلى 70 درجة للعينين، وبدرجة 145 للرؤية بعين واحدة نادراً ما يغضب يتمتع بالانسجام النفسي وإن غضب فيرفس بدقة شخصا يزعجه على بعد متر واحد إلى جانب مؤخرته، والحمار يرفس لا بقصد الأذى إنّما بقصد التنبيه، فالرفس حركة عالية المستوى هدفها الرفض بطريقة فنيّة يستعمل الحمار بها حافريه الخلفيين تعبيراً عن نهاية الحوار مع مخلوق غبي لا يفهم أبسط اللغات على الأرض ظنّاً منه أنّ الرفس قد يُساعد الانسان على الفهم، في عصور سابقة في بلاد ما بين النهرين كانت أذنا الحمار الكبيرتان رمزا للمعرفة والحكمة والإصغاء الجيد، بينما نحن اليوم نعتبرها رمز للتبلد والغباء!
إن الحمار كائن ذكي يتعامل بذكاء مع العراقيل التي تواجهه هو مخلوق هادئ و متواضع لا يتذمّر و لا يشكو، مما يدّلنا على اكتمال قناعته بواقع أمره و على معرفة تامّة بذاته في مواجهة ما لا يعرفه وما يعرقله وهذا ما يفسره الانسان بأنه غباء، علينا الاعتذار من الحمار لأننا ظلمناه وجعلنا منه رمز للغباء بينما ندرك أنه صفة تمتد للبشر أحياناً ، بالتعامل والحكم على كثير من الأمور حولنا.
إن الذي نستحقره يستطيع أن يحمل على ظهره بسهولة نحو 30% من وزن جسمه، ويستطيع أن يشرب ماء يعادل 20% من وزنه خلال خمس دقائق دون أن يصاب بالغرق الداخلي، وفي حال فقدانه حتى 10% من ماء جسمه، فإن الحمار الجائع يأكل أولا ومن ثم يشرب، وإذا تجاوزت خسارته للماء 17% من وزنه، فإنه يشرب أولا ثم يأكل.
إن معدل عمر الحمار في البلدان الغربية ما بين 35 و40 سنة بينما معدل عمر ه في منطقة الشرق الأوسط لا يتجاوز سبع سنوات نظرا لسوء التغذية والمعاملة فلو تمت العناية بالحمار بذات الطريقة التي نعتني بها بالحصان لقام الحمار بأمور سوف تدهشنا!
دعونا لا نسيء الى الحمار بأن نطلق على كل ما هو غبي حمار نحن نمتلك بعض الصفات التي نتباهى بها على بعضنا بينما هو يمثل التواضع والتحمل والصبر بهذه الصفات نحن نفتقد عشرتهم ولا نرى منه الا الخير والصبر والقناعة، يعلمنا التأمل بخلق الكون وجماله انه لا يفكّر فقط بل يفهم ويكفي انه يفهمنا ونحن لا نفهمه انه لا يعاني في حياته لو لم يتدخّل الإنسان فقد يُخرج الإنسان من أزمة الضعف العقلي في آلية التقييم، فلو احترم الحمار و اعتبره مثالاً أعلى له في أدائه الفكري و راح يخاطب الحمار باحترام و الإنسان باحتمار لأدرك قيماً هامّة في حياته و عدل عن معظم تقييماته للمعاني السامية و خاصّةً الروحيّة منها و الدينيّة.
ان التعامل مع كل ما هو مختلف في المهارة قد تكون قوية او ضعيفة وعدم إدراك أن الاختلاف هو سنة كونية عزز لدينا داء العنصرية! حتى وصلنا إلى قناعة أن الذي لا يشبهني هو أقل مني وأحقر، وأصبحنا لا نرى جميل المختلف، بل نركز على عيوبه وهنا عامل آخر يوضح أن لكل فعل ردة فعل، ولكل سبب نتيجة، ونستطيع التحكم في المخرجات حينما نتحكم في المدخلات وما نزرع نحصد في هذه الحياة في أي أمر كان، وطريقة تفسيرنا للأمور من شأنها تشكيل سلوكياتنا تجاه تلك الأمور ومن لا يستطيع تقييم نفسه تقييماً سليماً لن يكون قادراً على إصدار حكمٍ عادلٍ على غيره.
إن هذا المخلوق الهادئ، الجميل، الحكيم، المتواضع، الصبور مثالٌ حيّ على القيم الواضحة التي تنقص الإنسان.