التجسس عن الناس، بتتبع عوراتهم، وترصد زلاتهم، وذكر عيوبهم، والوقوع في أعراضهم من الكبائر؛ والحق أن ينشغل المرء بالنظر في عيبه، وأن يصلح نفسه، ثم غيره بالحكمة والموعظة الحسنة - على قدر حاله، وحسب منزلته - ويسأل للناس الهداية، ويسعى في إرشادهم، دون أن يقع في ذمهم، وينشغل بذكر عيوبهم، إلا لمصلحة شرعية تترتب على ذلك، كالتحذير من فعلهم.
قال الله تعالى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الأنعام: من الآية 164).
وروى الترمذي وغيره عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قَال صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ قَدْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ».
وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ».
ويقول الإمام أبو حاتم بن حبان -رحمه الله-: ”الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يُتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه، هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإن مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عمي قلبُه، وتعب بدنه، وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أَعْجَزِ الناس مَن عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه”.
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه "الصمت" أنه قيل للربيع بن خثيم: ما نراك تغتاب أحدًا؟ فقال: لست عن حالي راضيًا، حتى أتفرغ لذم الناس؛ ثم أنشد:
لنفسيَ أبكي لستُ أبكي لغيرها .:. لنفسيَ من نفسي عن الناس شاغلُ
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.