ذلك الكائن المتمرد.. بل أكثر مخلوقات الله تمرداً على الإطلاق.. وإذا كانت أنماط الشخصية تتمحور حول أربعة أنماط أساسية للإنسان وهى الإنسان كما هو، والإنسان كما يرى نفسه، والإنسان كما يراه الناس، والإنسان كما يحب أن يكون ...
فإن الحياة أثبتت أن هناك أنماطاً أخرى طرأت على هذه الأنماط الأساسية ليصبح لدينا عدد لا محدود من الأنماط التى طرأت بتغير المجتمع والأعراف والظروف والتقاليد، ليصبح هذا "الكائن" لغزاً محيراً بحق وعلامة استفهام يعجز الكثيرون عن فهمها ...
ذلك الذى يجمع بين جنباته وفى أعماق نفسه الكثير من المتناقضات والتصرفات التى يناقض بعضها بعضاً، فلا تكاد تجزم أنك قادر حقاً على معرفة حتى أقرب الناس إلى قلبك تمام المعرفة، لأنك قد تتفاجأ فى موقف ما بما لم تعرفه ولم تتوقعه بل وحتى لم يدر بخلدك يوماً فى أسوأ أحلامك وكأنك لم تعرف هذا "الكائن" فى يوم من الأيام !!!
وأعترف أننى أدهش كثيراً وأعجز فى أحيانٍ أخرى عن استيعاب ردود أفعال الكثيرين مِن مَن أعرفهم حق المعرفة فى مختلف المواقف حتى صرت الآن لا أتوقع ردود أفعال أحد، ولم تعد تلك الدهشة تعترينى لكثرة ما صدمتنى بل وصهرتنى تصرفات البشر فى مختلف المواقف وفاقت توقعاتى كثيراً !
إذ كيف يتلون هذا الكائن المحير بتغير المواقف والأشخاص والأحداث ...
بل كيف يرتدى الفاسق ثوب الفضيلة حتى لينخدع به الكثيرون والكثيرون ويتخذونه مثلاً وقدوة وهو أبعد ما يكون عن أبسط قواعد الإنسانية والأخلاقيات؟..
وكيف لهذا الكائن أن يصبح أحياناً "ميكاڤيللى" النزعة والهوى مبرراً لنفسه أى شىء وكل شىء فى سبيل الوصول لهدفه حتى ولو بطرق غير مشروعة وغير مقبولة ملقياً بكل أخطائه بل وخطاياه على شماعة الظروف؟..
كيف يستحل لنفسه بدون أدنى وخزة ضمير أن يلقى ربما بصداقة عمر...ربما بحبٍ لن يتكرر ....ربما بأخوةٍ قلما وجدت...ربما حتى بعلاقته بمن أحسن إليه ومد له يد العون فى أحلك الظروف ومنحه ثقةً مطلقة إذا تعارضت مع مصلحته الشخصية فى "ندالة" غير مسبوقة بدون حتى أن يذرف دمعة ندم واحدة !
يستوقفنى كثيراً جحود البشر إلا من رحم ربى ..
وأعجب كثيراً كيف يستطيع الإنسان أن يتلون بعدة وجوه وكيف يستطيع تغيير"الماسك" بمنتهى البساطة..
يقول تعالى "ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام".....أى شخصيةٍ تلك وأى نفسٍ تستطيع أن تفعل هذا !
الإنسان ذلك المخلوق من التراب العائد إليه فى نهاية الرحلة والمطاف تتأرجح تصرفاته ما بين الخير والشر فلا هو خيرٌ مطلق ولا هو شرٌ مستطير.. وإنما مزيج ما بين هذا وذاك... فإن غلب خيره شره صار أفضل من الملائكة... وإن غلب شره خيره فاق كيده كيد الشياطين !!!
ولا يزال البشر يجمعون بين جنباتهم كل المتناقضات...
ولا تزال تصرفاتهم تخضع كثيراً للامنطق وللا إنسانية....
ولا نزال نعجز كثيراً عن فك طلاسم أقرب الناس إلينا ونعجز أحياناً عن فهمهم أو استيعابهم، فالنفس البشرية آفاق وأعماق نتوه فى أغوارها كثيراً ..
ونلهث طويلاً فى محاولة
تقبل تصرفاتها المبهمة ..
أبعدنا الله وإياكم عن أناسٍ لهم هيئة بشر وقلوب كالحجارة أو أشد قسوة!