رب ضارة نافعة، فقد كشفت أزمة كورونا عن قدرات وطاقات خافية فى مجال التعليم العالى والبحث العلمى لم تكن مستغلة وإمكانيات فردية عالية لو أحسن استغلالها أتصور أنها سوف تقود الوطن إلى مكان آخر فى مجالات البحث العلمى والتكنولوجيا. لقد وفرت وزارة التعليم العالى إمكانيات التعليم والتعلم عن بعد منذ سنوات، ولكن لم يكن لأحد الرغبة فى أو المحفز على تطوير أساليب التعليم والتعلم واستمر الوضع مثلما ألفينا عليه أباءنا منذ عقود.
جاءت كورونا لترغم الجميع طلابا وأساتذة على استخدام التكنولوجيا فى التعليم والتعلم، ونجحت التجربة نجاحا ثنائيا متميزا - ربما لم يكن متوقعا - من جهة الاساتذة الذين أستطاعوا تقديم مادة علمية جذابة ومن جهة الطلاب الذين أجادوا التعامل واستقبال هذا النوع من التعليم والمشاركة الفعالة Interactive فيه.
ولكى ندفع بالتعليم العالى خطوة أخرى الى الأمام سوف أذكر مجالين محددين فى هذا الشأن أرى لهما الأهمية فى هذا التوقيت:
أولا: الدراسات العليا
من المعروف أن كثيرين ممن يرغبون فى التحضير للدراسات العليا قد لا يجدون الوقت الكافى للانخراط فى الدراسات العليا بالجامعات ربما لانشغالهم فى أعمالهم، أو ربما بين من لا يعملون أصلا ولكن لديهم مسئوليات تعوقهم عنها. هؤلاء يمكن تقديم برامج خاصة لهم عن بعد وعلى التوازى مماثلة لبرامج الطلاب المتفرغين بمصروفات مع تقديم حوافز مادية مجزية للمشاركين فيها من أعضاء هيئة التدريس.
وقد يرى البعض أنه إذا كان هذا الأمر مقبولا وممكنا فى الكليات النظرية فإنه قد يكون صعب التنفيذ فى كليات القطاعين الطبى والهندسى وكليات العلوم والزراعة وغيرها، وهذا مردود عليه، أنه فى استطاعة هذه الكليات تدريس الجزء النظرى ممثلا فى تدريس المحاضرات إلكترونيا عن بعد وتدبير أوقات للتدريب العملى فى غير أوقات تدريب الطلاب المنتظمين.
ولابد هنا من الإشارة إلى أنه قد تم تنفيذ بروفات متعددة ناجحة منذ نحو عام فى كليات الطب المختلفة على الامتحانات الإلكترونية، ولذا فمن باب أولى أن يتم تقديم برامج التعليم الإلكترونى مصاحبة لهذه الامتحانات.
ثانيا: الترقيات والبحث العلمى:
النظام الحالى للترقى الذى تحكمه قواعد محددة تتغير شكليا كل 3 سنوات هو نظام مغرق فى المحلية على الرغم من تشجيعه للنشر العلمى فى الدوريات العالمية وأحد مسببات القصور فيه فى تقديرى الشخصى هوعدم وجود عضو واحد أو أكثر من العلماء الأجانب المشهود لهم فى تخصصهم من خارج الجامعات المصرية ضمن اللجان العلمية الدائمة أو على الأقل ضمن لجان المحكمين. لست أدرى ما العائق أمام وجود هؤلاء ضمن هذه اللجان على الرغم من سهولة التواصل عبر البريد الإلكترونى وإرسال الأبحاث لمحكمين من الخارج، وتلقى تقييماتهم ثم دعوتهم لحضور اجتماعات اللجان والمشاركة فى تقييم شباب الباحثين فى مصرعبر أى من برامج الاتصال عبر الإنترنت. إن الزعم بوجود مشاكل مادية تمنع هذا التواصل هو أمر مردود عليه أن هؤلاء العلماء يقومون بتقييم الأبحاث المقدمة للمجلات العلمية مجانا ودون أى مقابل فيما يعرف بال .Peer Review
إن وجود أعداد من العلماء الأجانب فى كافة مجالات التخصص ضمن اللجان الدائمة أو لجان تحكيم أبحاث أعضاء هيئات تدريس الجامعات المصرية المتقدمين للترقى سوف يؤدى قطعا الى تطوير مجالات البحث العلمى، إضافة إلى تحديث فكر الباحثين والعلماء المصريين فضلا عن تطوير أداء السادة أعضاء اللجان العلمية من المصريين وبالقطع سوف يكون المردود على سمعة الجامعات المصرية على المستويين الاقليمى والدولى مردودا طيبا للغاية.
لقد دفعتنا كورونا الى طريق جديد وخلقت لدي الكثيرين منا رغبة حقيقية فى التطوير والتحديث نأمل ألا نضيعها.